مقالات

في أعناق الجميع.. المعتقل فاضل السليمان.. فريسة طائفية النظام السعودي

أن تكون معلما وتربويا ومربيا للأجيال، فهذا لا يمنع النظام السعودي من أن يعتقلك ويهدد حياتك ويحرمك حريتك ووظيفتك وتبعاتها، بل يجعلك في غياهب السجون ويغيّر ملامحك انتقاما من مطلب أعلنته وهو حق مشروع، أو صوت رفعته أو تظاهرة سلمية سلاحها الكلمة شاركت بها. وانتقاماً منك يجعلك في غياهب سجونه النتنة ويجعل التعذيب والانتقام والانتهاكات والتنكيل تغيّر من واقع حياتك، أكنت شابا أم طفلا أو كهلا، ويعرّضك لمحاكمات غير عادلة يكون التسيّس والترهيب سيدا المشهد فيها.

الإنسان الأستاذ فاضل علي عبدالله السليمان، الذي يقبع في سجن الملز في الرياض منذ عقد من الزمن بعد مشاركته في التظاهرات السلمية التي احتضنتها “القطيف والأحساء” في مارس 2011م، خلال انتفاضة الكرامة
الثانية، يغيّب عن ساحة المطالبات الدولية بالإفراج عنه.

المعتقل السليمان لم يقترف ذنبا يعاقب عليه، اعتقل بطريقة وحشية بعد مشاركته الفاعلة والمؤثرة في تظاهرات الأحساء احتجاجات في 4 و11 و17 مارس 2011م، حين دعا لإطلاق سراح المعتقلين المنسيين، والكف عن الانتهاكات المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، وردع ممارسات التمييز الطائفي المفروضة على “القطيف والأحساء. كالداينمو المحرك في التظاهرات السلمية إبّان موجة الربيع العربي، كان الأستاذ فاضل السليمان المربي والمعلّم، الذي تقدم المتظاهرين في تظاهرة الرابع من مارس التي انطلقت من مسجد “أئمة البقيع” في مدينة الهفوف واتجهت نحو مبنى “محافظة الأحساء”، صدحت صرخاته بالمطالب وأرّق صوته القابعين خلف جدران الصروح الرسمية التي كانت تكيل القمع وتمارس الانتهاكات. برزت مواقفه وصلابته في مبادرته للحديث لأحد الصحفيين عن المطالب التي خرجت التظاهرات من أجلها، جرى تسجيل مقابلته الصحيفة التي لم يعلم خلفية الجهة الإعلامية المزعومة إلا أنها اتضحت فيما بعد بأنها تابعة لجهاز المباحث، جرى تصوير الأستاذ فاضل وكلماته ومطالبه وتحدث باسم المواطنين، وشدد على ضرورة إطلاق سراح الشيخ توفيق العامر، ونيل الشيعة لحريتهم الدينية في الممارسة وإقامة الشعائر من دون أي قيود أو انتهاكات أو حظر، لإقامة الاحتفالات والعزاء وفتح المساجد والحسينيات المغلقة.

وبكل موقف حر ومعلن، دعا لإقالة الأمير بدر بن جلوي بسبب إدارته الطائفية للأحساء، وهذه المطالبات التي قالها بسلمية ومن دون أي شغب أو تعد، إلا موقفه السلمي لم يحميه من البطش البوليسي المتبع، فراحت أدوات القمع تلاحقه وتتعقبه، على الرغم من أن التظاهرة التي خرج وتحدث خلالها كانت عفوية على غير ما يدعي عناصر السلطة. تعقّب تبعه مراقبة دقيقة تسبق واقعة الانقضاض، واستتبعت مشاركاته في الحادي عشر من مارس، بتظاهرة كبرى في مسجد “أئمة البقيع” أثناء خطبة الشيخ توفيق العامر وهتافاته مميزة للمطالبة بالحقوق المشروعة لأهالي الأحساء والكف عن التمييز والتهميش، مطالبات وأصوات حرّكت استبداد النظام، الذي جيّش عناصره من أجل فرض طوق عسكري حول المسجد أثناء أداء الصلاة، انتشرت العناصر المدججة بالسلاح والعتاد وأحاطت المسجد من كل صوب، وتحضرت لقمع التظاهرة قبل خروجها، انتشرت المدرعات، والجنود المدججين واتخذ القرار الحاسم بطمس معالم الانتفاضة بالقوة، وما إن خرجت التظاهرة حتى انقض عليها الجنود بالعصي والهراوات التي وقعت على أجساد المحتجين ما أدى إلى وقوع إصابات متنوعة، فيما جرى اعتقال قرابة ثلاثين شخصا، إلا أن الأستاذ فاضل السليمان لم يكن بينهم.

حجم البطش والانتقام لم يمنع التربوي المدافع عن حقوق الإنسان من استكمال الطريق، إلا أن السابع عشر من مارس كان يوم الفصل في حياة السليمان، إذ اعتقل بطريقة وحشية على يد عناصر البحث الجنائي، بعد أن أغلقت
العناصر العسكرية جميع المنافذ المؤدية لمسجد “أئمة البقيع” ومنعت المصلين من الحضور، بعد طوق عسكري امتد بمحيط المسجد حوالي نصف كيلو متر، وبقي الحصار حتى الساعة الواحدة والنصف ظهرا، إلا أن هذا
الطوق العسكري لم يعلم منفذيه الذين منعوا المصلين الحضور للمسجد تحسبا للتظاهر، أن هنالك، مدينة أخرى تنتفض بعفوية ودون توجيه، حيث خرجت مظاهرة كبيرة في مدينة العمران بالأحساء،تنديدا بدخول قوات درع
الجزيرة إلى البحرين، تلك التظاهرة حركت السلطة وعسكرتها، التي اتجهت لقمع تظاهرة مدينة العمران بأسلوب أكثر عنفا.

وشنت حملة اعتقالات واسعة ضد النشطاء المشاركين، واتخذ قرار حاسم بكم الأفواه وتكبيل حرية الأفراد المشاركة، وحينها كان الأستاذ السليمان في مقدمة قائمة المطلوبين. بعد مغرب يوم السابع عشر من مارس 2011، اعتقلت العناصر العسكرية التابعة لمباحث الأمن الجنائي، الأستاذ فاضل السليمان من سيارته أحد شوارع الأحساء، بعد عملية اعتقال وحشي، جرى خلال الاعتداء على المدافع الحقوقي بأساليب وهابية ترهيبية، اعتدي عليه بعنف وقوة وتمت إصابته بتهشم في أصابع يده اليسرى، كما جرى تفتيش سيارته والعبث بها. ومنذ تلك اللحظة، اقتيد إلى مبنى البحث الجنائي بشرطة الأحساء وثم نقل إلى مباحث الدمام، هناك حيث تعال أنين المعاناة مع الإهمال الصحي الذي تعرض له رغم ما جرى عليه بسبب الضرب على يده، فنقل إلى مستشة العسكري للعلاج، إلا أن العلاج لم يكن على القدر المطلوب وكا يجب، ما أدى إلى تهشيم ثلاثة أضابع من يده اليسرى، واستكملت مشهدية الانتقام مع زجه في السجن الإنفرادي، حيث عانى من التعذيب الجسدي والنفسي. فاضل السليمان يقاوم البطش من خلف القضبان جهدت عناصر العسكرة لإجبار المعتقل السليمان على توقيع إقرار وتعهد يحتوي على “اعتراف بالتظاهر وتخريب ممتلكات والاعتداء على دوريات أمنية ورمي الحجارة وضرب رجال الأمن”، إلا أنه رفض على الرغم من توقيع عدد من المعتقلين عليه بالضغط والإكراه وتم نقلهم إلى السجن العام بالأحساء “وضربهم بالعصي لتتورم أجسادهم ويعانوا من الآلام لثلاثة أايام وأكثر، ولم يتم اطلاق سراحهم الا بعد قضاء شهر آخر في سجن الأحساء لتكون مدة حجزهم اكثر من شهرين”، إلا أن الأستاذ فاضل السليمان رفض التوقيع على الإقرار والتعهد المذكور ولم يستجب للضغط والإكراه، وأصر على التمسك بصوت الدفاع عن حقوق الإنسان، رغم مصير اعتقاله والبطش بالتعامل معه ومسار المحاكمات التي تعرض لها ومحاولة تغييب أو تنحية قضيته كما المئات من المعتقلين.

منذ لحظة اعتقال السليمان إلى اليوم، لاشك أن قضيته في “أعناق الجميع”، من الطريقة الوحشية للاعتقال إلى المحاكمة المسيّسة فبركة الاتهامات والمماطلة والتعذيب الوحشي والانتقام العائلي الذي استهدفه بسبب نشاطه التربوي وحرمه من كل مستحقات الحياة. المحاكمات السرية والحكم بسجنه 9 سنوات، استبدلها الاستئناف فيما بعد، استناداً إلى اتهامات وفبركات مزيّفة وملفقة، بينها “التظاهر ومقاومة رجال الأمن وكسر كاميرا رجل أمن”، وهو ما رفضه المعتقل السليمان وجرت إحالته إلى المحكمة الجزائية ليصار إلى بدء رحلة الانتقام القضائي والمماطلة وإطالة مدة سجنه من دون أي تبرير قانوني، فتارة تؤجل الجلسة لعدم تواجد القاضي وأخرى تعقد لتتتلى خلالها الاتهامات والتلفيقات، ويمنع من الحصول على لائحة الاتهامات التي وجهت إليه، وبقيت لفرات طويلة يتم إعلامه بالاتهامات بشكل شفهي من دون وجود أية أدلة تثبت صحتها، غير أن القضاء المؤتمر سياسيا وعسكريا، لا يتطلع إلى إنكار المعتقلين للاتهامات أو الدفاع عن أنفسهم بأدلة واضحة.

عقد من الزمن حرم فيها التربوي السليمان من حقه بالحرية بسبب المطالبة بالحرية الدينية لأبناء منطقته، ومنح الشيعة حقهم بممارسات شعائرهم، ما يبرز حجم الانتهاكات والتمييز الطائفي الذي يدحض ادعاءات السلطة السعودية
أمام المجتمع الدول والحقوقي بأن التغييرات والإصلاحات طالت الجانب الديني وأن السلطة تسمح للشيعة بممارسة شعائرهم، ومن المؤكد أن هذه الإدعاءات لا بد أن تتم محاسبة الرياض عليها دوليا، بفعل إبقائها على أصحب
الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان خلف القضبان وعدم حرمانهم من حقهم بالحياة بحرية وكرامة مهما كان حجم الانتقام والاستهداف. ولا بد للمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والدولية السعي لإطلاق سراح فاضل السليمان
المعتقل تعسفيا من قبل النظام السعودي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى