تقارير متفرقة

البدون في الإمارات.. تمييز ممنهج ومستقبل غامض

أبرز مركز الإمارات لحقوق الإنسان واقع ما يتعرض له عديمي الجنسية “البدون” في الإمارات من تمييز ممنهج ومعاناة مستمرة خلف مستقبل غامض.

وقال المركز في تقرير إنه دون بطاقة هويةٍ تُثبت بها نفسك، مجردًا من كل حقوقك الإنسانية المكفولة بمختلف القوانين، فأنت رسمياً غير موجود، لترى نفسك تعيش على هامش مجتمعِ يرفض وجودك، تُحرم فيه من أبسط الخدمات الأساسية، مثل العلاج والتعليم والزواج.

والبدون هو المصطلح الدارج في الإمارات والخليج عن غير محددي الجنسية، أو عديمي الجنسية، وهي العائلات التي تعيش في المنطقة ولكن لم تُدرج أبدًأ في الإحصاءات السكنية، لعدة أسباب منها: انتماؤهم القبلي، ومستوى إلمامهم بالقراءة والكتابة، وأصولهم العرقية أو علاقاتهم بمسؤولي الدولة.

ويتوزع البدون في معظم إمارات الدولة مع تركز أكبر نسبياً في الإمارات الشمالية وعجمان والفجيرة وأم القيوين التي تعتبر فقيرة نسبيًا بالقياس إلى أبوظبي ودبي.

وتعود أصولهم إما إلى القبائل البدوية التي كانت تتحرك بحرية في منطقة الخليج، أو مهاجرين دخلوا أرض الامارات منذ عقود لغرض العمل وكسب الرزق ولم يقدموا طلب الحصول على الجنسية، وعلى الرغم من أن الحكومة الإماراتية لم تصدر بيانات توضح أعداد السكان “البدون”، إلا أن التقديرات غير الرسمية ترجح أن يتجاوز عددهم 100,000 نسمة.

وعند اتحاد الإمارات السبعة؛ صدر قانون الجنسية في الإمارات، فبرزت قضيتهم جلية على السطح، ولم يعالج القانون أوضاع من طالبوا بالجنسية بعد تاريخ صدور القانون عام 1972 ما أدى لتفاقم مشكلتهم في السنوات التالية.

السلطات الإماراتية في بداية العقود الثلاثة الأولى كانت تتعامل مع هذه الفئة كمواطنين لحاجتها إلى جهدهم في خدمة البلاد، وكانت تسمح بتوظيفهم في مختلف الوزارات، خاصةَ وزارتي الدفاع والداخلية، وكانوا يشكلون نسبة لا بأس بها فيهما.

ولكن مع مرور الوقت، تنكّرت السلطات لحقوهم شيئًا فشيئًا، حتى وصل بهم الحال لما هو عليه اليوم، حيث أضحت فئة محرومة من أبسط مقومات العيش الكريم، دون هوية تثبت وجودهم، ولا حق في التعليم أو العلاج أو التملك أو الزواج غيرها من الحقوق المكفولة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

كل سبل العيش ممنوعة:

تُحرم فئة “البدون” في الإمارات من تسجيل العقارات أو السيارات بأسمائهم، رغم أن ذلك مسموح للأجانب دون قيود، وترفض كذلك السلطات توظيفهم أو السماح لهم في العمل بالقطاع الحكومي، وتفرض عليهم وزارة الصحة مبالغ تلقاء العلاج.

ولا يحق لأبناء “البدون” تلقي التعليم في المدارس الحكومية، ما دفعهم لتسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة مرتفعة التكاليف، فزاد ذلك من معاناتهم.

كما تعيش فئة البدون همًّا آخر في توثيق عقود الزواج والطلاق، وفي شهادات الوفاة والميلاد، بسبب رفض وزارة الصحة إدراجهم تحت كشوفاتها، ليجدوا أنفسهم تحت قضية شائكة يعيشون فصولها كل يوم من الحرمان والإهمال والتهميش.

معاناة لا تنتهي في كل مجالات الحياة، وسط تجاهل وإهمال من السلطات لهذه الفئة، التي تدفع ثمن هذا الإهمال ظلمًا وجورًا لأكثر من أربعة أجيال، في بلدٍ يتغنى بالانفتاح واستقبال أكثر من ٢٠٠ جنسية على أرضه.

وذلك في انتهاك واضح للمواثيق الدولية التي تكفل حق المواطنة والجنسية لكل إنسان، بما فيها المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنصّ على ” لا يجوز، تعسُّفًا، حرمانُ أيِّ شخص من جنسيته ولا من حقِّه في تغيير جنسيته”.

خدعة جنسية جزر القمر:

في عام 2008 أبرمت السلطات الإماراتية اتفاقًا مع حكومة جزر القمر ضمن اتفاقٍ سري يقضي بمنح “البدون” جنسية جزر القمر مقابل 200 مليون دولار.

السلطات الإماراتية بموجب هذا الاتفاق حاولت إعفاء نفسها من أي مسؤولية تجاه هذه الفئة، ما جعلهم عرضة لخطر الترحيل القسري كونهم يحملون جنسية دولة أخرى حسب الأوراق التي يحملونها.

سلطات جزر القمر أقرّت بحاجتها لتلك الأموال، مقابل إيجاد حل يقضي ببيع جوازات البلد لمن يبحث عن الجنسية في الخليج (الفارسي)، واستطاع الرئيس أحمد عبدالله سامبي في نهاية عام 2008 الحصول على تصديق من برلمان البلاد على قانون يفتح بابًا للتجنيس تحت بند “الجنسية الاقتصادية”، التي تُمكّن “البدون” من الحصول عليها.

وفي صباح الثامن من يوليو 2008، استيقظ الإماراتيين على خبرٍ في صحيفة “الإمارات اليوم” يحمل عنوانًا بالخط العريض، (حسن “بدون” تحوّل مواطنًا قمريًا).

وبين طيّات الخبر تفاصيل تروي حصوله على جنسية جزر القمر وهو لا يحمل أي أوراقٍ ثبوتية، أملًا في تعديل وضعه القانوني في الإمارات امتثالاً لتعليمات السلطات المتكرر عند متابعة ملف الحصول على جنسية الدولة ، فكان هذا طريقه للحصول على جنسية أخرى، تمهيدا للحصول على إقامة دائمة ثم الحصول على جنسية الإمارات.

وعلى إثر هذا الاتفاق – المخالف للقانون الدولي – بين حكومتي البلدين، وضعت سلطات جزر القمر الرئيس السابق أحمد عبدالله سامبي في مايو 2017 رهن الإقامة الجبرية، واستجوبته بتهمة ضلوعه ببرنامج سري لبيع جنسية البلاد، وإيقاعه في شبهة فساد، بحسب تصريحات السلطات في حينه.

وفي عام 2018 أعلنت وزارتا الداخلية والخارجية في جزر القمر أن حكومتهم ستوقف إصدار جوازات جديدة بموجب برنامج الجنسية الاقتصادية الخاص بها.

جنسية الإمارات للمستثمرين والفنانين فقط:

في انقلاب مفاجئ لقانون الجنسية الصارم في الإمارات، وضمن خطة أقرّتها السلطات، تمنح بموجبها غير الإماراتيين من الفنانين أو الأثرياء أو أصحاب الدرجات العلمية أو المهارات؛ فرصة للحصول على الجنسية الإماراتية.

وذلك في الوقت الذي تستمر فيه بالتعنت في حل مشكلة “البدون”، الأمر الذي أثار غضب مؤسسات حقوقية دولية، اعتبرت الإمارات تكيل بمكيالين في حق المواطنة.

منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تعليقها على الأمر قالت: “يحق للإمارات جذب الاستثمار الأجنبي للبلاد عبر فتح المجال لنيل الجنسية الإماراتية، ولكن عليها أيضا إنهاء التمييز الجسيم في ما يتعلق بتجنيس أولاد الإماراتيات والبدون، حان وقت الاعتراف بهم كمواطنين إماراتيين على قدم المساواة”.

وطالب مركز الإمارات لحقوق الإنسان السلطات الإماراتية بضرورة ايجاد حل سريع وعاجل للأفراد المدرجين تحت فئة (البدون) و (أبناء المواطنات)، لتسوية أوضاعهم، وصولاً الى منحهم جنسية الدولة.

ودعا إلى منح البدون في الإمارات حقوقهم الأساسية في التعليم والعلاج والزواج والتملك وحرية التنقل والسفر.

كما طالب مركز الإمارات مجلس الأمم المتحدة بالضغط على السلطات الإماراتية لضمان حصولهم على حقهم في الجنسية وحقوقهم الأساسية وفقًا للمادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنصّ على ( لا يجوز، تعسُّفًا، حرمانُ أيِّ شخص من جنسيته ولا من حقِّه في تغيير جنسيته).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى