تقارير متفرقةمقالات

الوزير وأحجار الشطرنج : كيف أطاح بن سلمان بالأمراء في سبيل الحكم؟

في خريف العام 2017، تحوّل فندق “ريتز كارلتون” في الرياض إلى سجن، احتُجِز داخله حينها العشرات من الأمراء ورجال الأعمال والسياسيين السعوديين الذين لم يُعلن عددهم الفعلي رسمياً، لكن الترجيحات أشارت إلى أن عدد المحتجزين قد تخطى الـ200.

الحملة التي قام بها محمد بن سلمان زاعماً أنها بهدف “تطهير البلاد من الفساد” أثارت ضجّةً هائلة في الداخل والخارج على حدٍ سواء. احتُجز هؤلاء في الفندق بعد قطع كل وسائل الاتصال فيه، كانوا معصوبي الأعين وكان هناك أشخاص مقيدون إلى الجدران في وضعيات صعبة، بحسب ما كشفته صحيفة “ذي غارديان” البريطانية في تقرير صادم نشرته في العام 2020.

بحسب الشهادات التي اعتمدت عليها الصحيفة حينها، فقد تعرّض بعض المحتجزين للضرب والتعذيب لساعات بهدف “كسر شوكتهم”. بالإضافة إلى “التهديد بتسريب معلومات خاصة مثل العلاقات خارج نطاق الزواج أو المعاملات التجارية غير القانونية”.

الحملة المزعومة تلك جاءت بعد أشهر من تولّي محمد بن سلمان ولاية العهد في ظروف غريبة، فمحمد بن نايف بن عبد العزيز (ابن عم محمد بن سلمان) هو من كان مخططاً تولّيه مهام ولاية العهد، لكن قراراً ملكياً قضى بإعفائه من مهامه في يونيو/حزيران من العام 2017 وتسليم بن سلمان ولاية العهد.

القرار الملكي الغريب كان مؤشراً على أن الأمور لن تسير كما يهوى بن نايف، فبعد الحملة التي قام بها بن سلمان، والتي شملت بن نايف، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في تقرير سابق أن الأميرين أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف، وقد كانا في الماضي مرشحين لتولي العرش، يواجهان عقوبة السجن مدى الحياة، قد تصل إلى الإعدام.

تسلسل الأحداث ذاك وإن دلّ على شيء فإنه يدلّ على خطة محددة وواضحة وضعها محمد بن سلمان للاستيلاء على العرش، مستخدماً أدواته الذكية ذات الوجهين، الوجه الخفي الذي يقصد به توجيه رسالة لكل من يعارضه ويحاول الانقلاب عليه، والوجه الظاهر الذي يحاول من خلاله إيهام الداخل السعودي والمجتمع الدولي أنه “ولي العهد القوي الذي افتتح عهده بمحاربة الفساد”.

لكن “ولي العهد الشاب” أغفل تفصيلاً هاماً، وهو أن زمن الاستعراضات السهلة لم يعد ينطلي على الشعب، وأن الهدف الحقيقي وراء حملة الاعتقلات وتبديد الثروات التي قام بها معروفٌ ومكشوف للجميع، وإلا فإنه حريٌ به أن يخرج ويعلن حجم ثروته الحقيقية ومصدرها، فليس منطقياً أن يتهم رجال أعمالٍ بالفساد بدليل امتلاكهم عقارات وممتلكات بأسعار ضخمة، ثم ينكشف في ما بعد أنه اشترى في العام 2015 قصر لويس الرابع عشر مقابل 300 مليون دولار!

موقع وكالة بلومبيرغ الأميركية كان قد نشر تقريراً موسعاً عن ثروة بن سلمان، وذكر التقرير يخت “سيرين” الذي يملكه، ويعد واحدا من أكثر اليخوت باهظة الثمن في العالم ويبلغ ثمنه 320 مليون دولار.

كما يملك بن سلمان منتجعاً في جنوب أفريقيا وحصة في شركة اتصالات سعودية تبلغ قيمتها نحو 30 مليون دولار، بالإضافة إلى حصص في عدد من الشركات الخاصة، من بينها بنك وشركة تطوير عقاري، فضلا عن مزرعة أسماك وشركة نقل للبتروكيماويات وغيرها. كما يملك بن سلمان وصولاً مباشراً إلى الموارد النفطية في السعودية.

لم يعد خفياً أن ما قام به بن سلمان في بداية عهده كان محاولةً لإبعاد الأمراء الذين يمثلون تهديداً محتملاً لوصوله إلى سدة الحكم، رغبة بن سلمان باحتكار السلطة وتثبيت نفسه كحاكم مقبل للسعودية توضّحت أكثر مع القرار الملكي الذي صدر مؤخراً في سبتمبر/أيلول 2022، وقضى بأن يكون محمد بن سلمان رئيسًا لمجلس الوزراء، في استثناءٍ هو الأول للمادة 56 من نظام الحكم الأساسي  والتي تقضي بأن الملك هو رئيس مجلس الوزراء.

أداء بن سلمان منذ الـ2017 وحتى اليوم لا يتناسب مع الوعود البرّاقة التي أطلقها، فنوايا الإصلاح التي دخل بها الحكم يبدو أنها مبنية على رؤاه الخاصة الخيالية، وهذه الرؤى بدورها مبنية على حساب الشعب المحروم من خيرات بلاده.

وصل محمد بن سلمان إلى الحكم بأساليب ملتوية أساسها التسلّط والاستبداد، وبات واضحاً أن هذا الاستبداد هو عنوان مرحلة حكمه، وأن الشعب المحروم المقموع لن ينال من حقه شيئاً، إلا بالنضال المستمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى