تقارير متفرقةمقالات

“الحائر”: أكبر “فنادق” الرعب في العالم!

 في يناير/كانون الثاني من العام 2021 حصلت منظمة “هيومن رايتس ووتش” على مجموعة رسائل نصية من حارس في أحد السجون السعودية يحكي فيها مشاهداته “المرعبة” للحظات تعذيب وسوء معاملة يتعرّض لها المعتقلون من قِبل المحققين.

جمع الحارس في رسائله شهاداته مع شهادات حرّاسٍ آخرين من سجون مختلفة. يحكي الحارس عن تعرّض بعض المعتقلات لتحرّش جنسي “لم يشهد مثله”، وعن فقدان إحدى المعتقلات وعيها أثناء التعذيب الوحشي.

ويحكي في رسائل أخرى عن أحد المعتقلين ويقول: “كان هذا المعتقل بين الذين تعرضوا للتعذيب بما يفوق قدرته على التحمل، خاصة عندما علم المحقق أنه يعاني من آلام في الظهر، فبدأ يبدع بتعذيبه، مستهدفاً أماكن مؤلمة بالفعل إلى حد أنه لم يعد قادراً على الذهاب إلى الحمام دون أن نساعده”.

الصعق الكهربائي، الإيهام بالغرق، الضرب، الجلد، التحرش الجنسي… كلها انتهاكات تقوم بها السعودية في سجونها، على أعين المحققين وبعلمهم، وفي أحيانٍ كثيرة بمشاركتهم.

تشترك السجون على اختلافها بتفاقم الانتهاكات فيها، وثمة سجون ذاع صيتها لكثرة ما سُمع عن جرائم تحصل فيها بلا حساب، كسجن الحائر.

لم يكن مستغرباً أن يخصص الإعلام السعودي حيزاً واسعاً للحديث عن سجن الحائر، فالصيت الأسود اللصيق بالسجن قد ذاع وشاع وأخذ يحرّك المنظمات الحقوقية والمجالس الدولية ضد السعودية وسلطاتها، لذا كان لا بد من أن تحرّك السعودية عصا الإعلام السحرية، وتقدّم للناس مشاهد “حُبِكت” بدقة ودهاء، في سبيل تبييض صورة السجن وتصويره على أنه “فندق” يقضي “نزلاؤه” ألطف الأوقات فيه.

أسلوب السعودية هذا ليس جديداً، فتحريك الإعلام لتصوير الواقع كما تريده هي بات حركةً مستهلكةً لم تعد تنطلي على أحد.

سجن الحائر أو “الحاير” كما تشيع تسميته، هو أكبر السجون السعودية وأكثرها تحصيناً، افتتح في العام 1983، يقع على بعد 40 كم جنوب العاصمة الرياض ويخضع لرقابة أمنية مشددة.

السجن يحوي سجناءً مدانون بجرائم إرهاب، وتحتجز السلطات السعودية فيه أيضاً معتقلي الرأي ممن تزعم أنهم اعتُقلوا بموجب قانون مكافحة الإرهاب وتمويل الإرهاب، وهو قانونٌ مثير للجدل وضعه محمد بن سلمان ويستخدمه لاعتقال الناشطين الحقوقيين، الذين تُنتزع منهم اعترافات تحت التعذيب وتتم محاكمتهم سراً، ثم تُعرّف السلطات عنهم بأنهم “معتقلون بتهم متعلقة بالإرهاب”.

منذ سنوات، وبعد انتشار مقاطع فيديو مصوّرة تظهر تعذيب سجناء على يد أحد الحراس، زار وفد من منظمة “هيومن رايتس ووتش” السجن وجمع شهادات للمعتقلين أكدت حصول تعذيب وانتهاكات.

في تقريرها حينها، ذكرت “هيومن رايتس ووتش” رواياتٍ عن 12 حالة وفاة في السجن يُقال إنها نجمت عن سوء المعاملة وعن أمراضٍ كانت قابلةٍ للعلاج. وقد قال عددٌ من سجناء “الحائر” لوفد المنظمة إن اثنين من السجناء ماتا بسبب نقص الرعاية الطبية، وثلاثةٌ غيرهم نتيجةً الضرب. (ارتفع عدد الوفيات في السجن في الأعوام الأخيرة).

يُذكر أن “هيومن رايتس ووتش” ذكرت أن إدارة السجن تدخّلت أثناء حديث الوفد مع السجناء، كما لم تسمح لهم بدخول كافة الأقسام التي طلبوا دخولها.

موقع “ويكيليكس” تحدّت في وثائق كشفها في العام 2017 عن “أساليب وحشية تتبعها السلطات السعودية لتعذيب المعارضين”، وذكرت “ويكيليكس” أن “السعودية تمتلك أضخم السجون حجماً في العالم، ومن أشهرها معتقل الحائر الرهيب ويقع جنوبي الرياض”، مؤكدةً أن “الأساليب القمعية والتعذيبية في السعودية من أشرسها في العالم، حيث تحصل انتهاكات وتجاوزات صارخة لحقوق الإنسان”. الوثائق التي نشرتها “ويكيليكس” حينها وصّفت السعودية على أنها “من أشهر ممالك الرعب والخوف في العالم المعاصر التي تخالف أبسط مبادئ حقوق الإنسان، متجاوزةً كل القوانين والأعراف العالمية، وسط صمت دولي رهيب، حيث يتم تكميم الأفواه وصم الآذان وإغماض الأعين مقابل أموال الذهب الأسود”.

في تقرير سابق لمنظمة العفو الدولية، ذكرت المنظمة أن المعتقلين في سجن الحائر “أبلغوا عائلاتهم في أغسطس/آب أنهم تعرضوا للاعتداء على أيدي حراس السجن، وأنهم يخشون على حياتهم”، وأشار التقرير إلى أنه من بين أساليب التعذيب التي ذكرت: الضرب والتعليق من الأطراف والحرمان من النوم، وأن “المحتجّين كانوا من بين الذين تعرضوا للتعذيب والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي لعدة أيام أو أسابيع بدون تهمة أو محاكم”.

في مايو/أيار من العام 2021 توفّي المعتقل في سجن الحائر، زهير علي شريدة، نتيجة الإهمال الطبي بعد تفاقم إصابته بفيروس كورونا. وكانت التسريبات قد ذكرت نقل زهير الى عنبر السجناء المصابين بكورونا ما أدى الى إصابته وآخرين من معتقلي الرأي بينهم الناشط “محمد القحطاني”. وكان قد تم إعطاء زهير ومعتقلين آخرين لقاح كورونا أثناء إصابتهم به، وهو مخالف للإرشادات الطبية.

وكان زهير وأكثر من 30 معتقل رأي قد قاموا بالإضراب عن الطعام احتجاجًا على المضايقات التي شملت الاحتجاز في نفس الجناح مع المحتجزين النفسيين ومنع الاتصال بالعائلة والحرمان من الحصول على الكتب والصحف.

وكان المعتقل الدكتور محمد القحطاني قد تعرّض لاعتداءٍ من قبل أحد السجناء أثناء نومه، والسجين هو أحد المرضى المصابين باضطرابات نفسية وعقلية. والقحطاني من ضمن الذين أصيبوا بفيروس كورونا نتيجة الإهمال المتعمّد، كما حُرِم من المتابعة الطبية بعد تعرّضه لمشكلة صحية، على الرغم من تفاقمها.

وفي العام نفسه اعتدى مجموعة من المعتقلين المتشددين على معتقل الرأي  الدكتور موسى القرني ما أدى إلى وفاته، ولم تعلّق السلطات على وفاته.

الدكتور عبدالله الحامد هو أحد ضحايا سجن الحائر أيضاً، فالحامد توفّي في العام 2020، وقد كان بحاجة لإجراء عملية بشكل عاجل، إلا أن إدارة المتشفى أخّرت العملية ولم تسمح بإبقائه في المستشفى، حتى أصيب بسكتة دماغية في السجن ودخل في غيبوبة، ثم توفّي بعدها.

وتوفي الصحافي صالح الشحي، في العام 2020، بعد شهرين فقط من الإفراج غير المتوقع عنه. وعلى الرغم من زعم السلطات أنه توفي بسبب كورونا، لكن ظروف وفاته، أحاطها الغموض كظروف الإفراج عنه.

في العام 1997 انضمت السعودية لـ “اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أوالعقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” التي اعتمدتها الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، وتقضي الاتفاقية بتعزيز احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ومنع تعرّضه للتعذيب والمعاملة المهينة، كما تقضي بمراعاة المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة). فأين السجون السعودية من هذه الاتفاقيات؟

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى