تقارير خاصةمقالات

الهجرة القسرية من السعودية: غادروا الوطن ولم يغادرهم

سألني مرة أحد الأشخاص من غير السعوديين، لماذا لا يترك الناس السعودية ويسافرون إلى بلدٍ آخر، ويتجنّبون بهذا ظلم السلطات واستبدادها.

لوهلة، تخيّلت بلادي صحراء خالية من الناس. رقّ قلبي لحال بلادٍ أحالها حكّامها سجناً بجدرانٍ كثيرة وقضبان غليظة.

أرضنا هذه، لم نجد فيها مساحةً ولو ضيّقة، لنقول كلمة حقٍ واحدة. كان علينا أن نتأمل حقوقنا المهدورة صامتين دون أن نحرّك ساكناً، لأن من تجرّأ وصدح صوته عالياً مطالباً بحقوقٍ بديهية، وجد نفسه في زنزانة، يعدّ أيامه وشهوره فيها، دون أن يُدركَ كم سيعدّ بعد.

في كل بقاع الأرض، تُعدّ الهجرة خياراً ثقيلاً يُجبَرُ المواطن على تنفيذه. صورة المهاجرين واحدة مهما اختلفت الظروف: عينان تودّعان مرتع الطفولة باستسلامٍ وكمَد، وأقدامٌ تسير بتثاقلٍ نحو مصيرٍ مجهولٍ مهما رُسِمت ملامحه.

فلماذا علينا نحن أن نتعامل مع الهجرة كخيارٍ طبيعيٍ غير استثنائي؟

في خضمّ موجة التغليظ غير القانوني للأحكام وإصدار أحكام الإعدام التعسفية، وفي وقتٍ كان الحزن يلفّني والوجع على أبناء وطني يتملّكني، اجتاحني الحنين للوطن. ذُهِلتُ من المشاعر المتناقضة المتضاربة في أعماقي، لكنّني أدركتُ ودون تفكير، أنّ شعور الانتماء لأرضٍ أنا منها ليس قراراً أتّخذه، بل هو قدري، هو شيءٌ يولَد معي، وأولَد معه في كل مرة يخالجني. نحن وشعور الانتماء لبلادنا نولَد معاً، في لحظةٍ واحدة.

قالت لي إحدى نساء الوطن إنّها بدون شعور الانتماء لبلادنا تحسّ بأنها تائهة، وتشعر بأنها لا أرض لها ولا منزل.

نحنُ نُجبَر على ترك أرضنا، نُجبَر على التخلّي عن مكانٍ يُفترض به أن يكون الملجأ الآمن، لكنّه ليس كذلك، لأن سلطاتٍ لا تُدرك معنى الأمان ولا السلام تتعامل مع المواطنين كأحجارٍ لا حقوق لها، تحرّكها كيف تشاء، وتحطّمها متى شاءت.

أجبرتنا سلطات البلاد على هجرها، على الرغم من أنها تحاول جاهدةً سدّ أي منفذ للخروج. تتمادى السلطات في القمع والتقييد والتشديد، وتكرّس كل أدوات الأمر والنهي لخدمة أهدافها. لكن الحكام يغفلون عن أنهم يحكمون بلاداً لم يخترهم سكانها أبداً، ولو أُتيحت لهم الفرصة، لما اختاروهم. ولأنهم يدركون هذه جيدا، سلبوا المواطنين حقهم السياسي بالاقتراع والمشاركة في صنع القرار.

بعد التأمل بسؤال الشخص الأجنبي، وجدته مبكياً ومضحكاً في آنٍ واحد. عادةً، يكون السؤال الطبيعي هو لماذا يترك الناس بلادهم ويهاجرون إلى دول آخرى.

في السعودية، ولأنّ لا شيء يوحي بحياةٍ طبيعية وظروف عيشٍ كريم وآمن، يصبح السؤال المألوف أكثر: لماذا لا يترك الناس السعودية؟ أو لماذا لا يهرب الناس من السعودية؟

الجواب ببساطةٍ هو أن من حق الناس أن يعيشوا في وطنهم سالمين، ومن حقهم أن يشعروا بالأمان والاستقرار فيها. ومن حقهم ألا يجدوا أنفسهم مضطرين للبحث عن وطنٍ آخر وتحمّل الكلفة المادية والمعنوية لهذه الهجرة.

للأسف، لعلّ السعودية، واحدة من البلاد التي تدفع أبناءها دفعاً نحو الرحيل. يرحلون عنها وتبقى فيهم، يغادرونها ولا تغادرهم. وأمل الرجوع حيٌ فيهم أبداً.

إذا لم يجد المرء أماناً في بلده، فأي بلادٍ هذه التي ستمنحه الأمان؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى