تقارير خاصةمقالات

بلاد النفط الأولى تُعاني غلاء البنزين!

منذ العام 2019، شهد سعر البنزين في السعودية ارتفاعاً كبيراً. تذرّعت الحكومة بأسباب مختلفة وأرفقت بيانات رفع الأسعار بتبريرات عدة. بغض النظر عن الأسباب والمبررات تلك، يبدو هذا الارتفاع الكبير في سعر المحروقات غير منطقيٍ في بلدٍ هو المصدّر الأول للنفط عربياً. لا سيما وأن فترة انخفاض الطلب على المحروقات (خلال انتشار جائحة كورونا) قد انتهت، وأنتجت الصراعات الدولية الأخيرة تغيّراتٍ كبيرة في ما يخص الطلب عن النفط.

بحسب قناة “العربية”، واستناداً إلى أرقام وزارة المالية السعودية، بلغ الفائض في الميزانية العامة السعودية 102 مليار ريال (أي ما يساوي 27 مليار دولار). هذا الفائض ـ وبحسب تصريحات رسمية ـ سيُوظّف في دعم المشاريع التي وضعها محمد بن سلمان قيد التنفيذ، وسداد جزء من الدين العام المتزايد في الأعوام الأخيرة نتيجة السياسات المالية والاقتصادية غير المدروسة ( بلغ الدين العام 938 مليار ريال في العام 2021).

هذا الفائض الذي ساهمت الضرائب المرتفعة المفروضة على المواطنين في زيادة حجمه، لم يعد على المواطنين بأي فائدةٍ ملموسة، فبدل أن تخصص الحكومة جزء منه لدعم المحروقات في سبيل تخفيض سعرها، عمدت إلى تبديده على مشاريع غير مضمونة النتائج.

وقد كان لارتفاع مبيعات النفط، الذي حصل عقب الأزمة الروسية الأوكرانية، مساهمة كبيرة في إنعاش الميزانية وزيادة الفائض. وكان متوقّعاً أن ينعكس هذا الارتفاع تحسّناً على صعيد أسعار المحروقات محلياً، لكن هذا لم يحصل، وبقيت أسعار البنزين على حالها، مسجّلةً أرقاماُ غير منطقية، لا سيما إذا ما تمّت مقارنتها بأسعار المحروقات في بلدان مختلفة.

رفع الأسعار بدأ مع انخفاض الطلب على النفط، خصوصاً في فترات الإغلاق نتيجة جائحة كورونا، لكنّ الطلب على النفط عاد وارتفع، بل وسجّل عائداتٍ ضخمة أثناء اشتداد تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وعلى الرغم من هذا لم تقم الحكومة السعودية بتخفيض الأسعار. (وهذا تماماً ما حصل في ما يخص الضرائب، حين زعمت الحكومة أن رفع الضرائب سيكون مؤقتاً لحين سد العجز، لكنها لم تعمد إلى تخفيضها حتى مع انتعاش الميزانية).

المواطنون اعترضوا على رفع الأسعار مستنكرين هذا الارتفاع الكبير، لا سيما وأن البدائل ليست مؤمنة.

وقارن آخرون سعر البنزين في البلاد مع سعره في دول لا تعدّ نفطية، ودول أخرى تعاني أزمات اقتصادية حادة ولم يرتفع فيها سعر البنزين بهذا الشكل.

هذا الاستغراب للارتفاع في سعر المحروقات عبّر عنه مواطنون من دول مجاورة، مقارنين سعر صفيحة البنزين في بلادهم مع سعرها في السعودية.

وكانت الحكومة قد بدأت منذ العام 2015 رفع سعر البنزين، وقالت مصادر حينها لـ”رويترز” إن الخطوة هي “جزء من إصلاحات لتخفيف عبء الدعم عن كاهل المالية الحكومية ستعزز كفاءة الطاقة وخفض الاستهلاك”.

هذا العبء الذي تحاول الحكومة نزعه عن كاهلها ألقت به على كاهل المواطن بلا خياراتٍ بديلة. وبغض النظر عن التحولات الكبيرة التي شهدها سوق النفط خلال السنوات السبع الأخيرة التالية للعام 2015، وإذا سلّمنا جدلاً أن الخطة التي بدأتها السلطات في العام 2015 هدفها مساواة أسعار الوقود المحلية مع المستويات العالمية، فإنه يُفترض أن يكون هناك خطة لدعم المواطنين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط، فالأسعار ارتفعت، بينما الرواتب والأجور على حالها بل إلى أسوأ. ويُذكر أن قراراً كان قد صدر في العام 2020، سمح بتخفيض الرواتب في القطاع الخاص إلى 40% مع إمكانية إنهاء عقود الموظفين.

الأمر المستجدّ هو أنه حتى “المؤيدين” للنظام الحاكم في البلاد باتوا يطالبون بالإصلاح والإجراءات التي تساعد في تخفيف العبء عن المواطن، فالضرائب الخيالية المفروضة، والأسعار الآخذة بالارتفاع دون توقّف، مع شبح البطالة المخيّم على البلاد وتداعياته السلبية، كلها عوامل جعلت الوضع المعيشي في البلاد لا يُحتمل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى