تقارير متفرقةمقالات

الإخلاء القسري: بصمات السعودية في جريمةٍ جديدة

يُعرّف تقرير الأمم المتحدة الإخلاء القسري أنه: “نقل الأفراد أو الأُسر أو المجتمعات المحلية بشكل دائم أو مؤقت ورغم إرادتهم، من المنازل أو الأراضي التي يشغلونها، دون إتاحة سُبُل مناسبة من الحماية القانونية أو غيرها من أنواع الحماية”. وبحسب القرار 77/1993 التابع للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فإن الإخلاء القسري يعتبر انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان، لا سيما الحق في السكن اللائق.

ووفقاً للمراقَبة التي تقوم بها الأمم المتحدة فإن عمليات الإخلاء القسري تزيد من تدهور حياة “المهمشين أو الضعفاء” في المجتمع. كما أنّها تنتهك مجموعة واسعة من حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا، بما فيها الحقوق في السكن اللائق والغذاء والماء والصحة والتعليم والعمل والأمن الشخصي والتحرر من المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة وحرية التنقل.

في السعودية، لا يبدو أن السلطات تعير اهتماماً لحقوق الأفراد وأحوالهم، فهي قد بدأت منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام 2021 عمليات الإخلاء الممنهجة لعددٍ كبير ٍمن الأحياء والشوارع في عدة مناطق.

عملية الإخلاء هذه تأتي تحت ذريعة تنفيذ مشروع “رؤية 2030” التي أعلنها محمد بن سلمان في العام 2017. ويُشار إلى أن السعودية عمدت في مايو/أيار من العام 2017 إلى القيام بعملية تهجير قسري طالت الآلاف، في حي المسورة في مدينة العوامية، على الرغم من مطالبة الأمم المتحدة بحماية الحي الأثري وانتقادها لعملية الهدم والتهجير الحاصلة.

وتتابع السلطات السعودية حتى اليوم، عمليات الهدم والإخلاء بلا أي اكتراثٍ لحقوق سكان تلك الأحياء، بل إن السكان لا يُمنحون حتى الفرصة للبحث عن مسكنٍ بديل، فبحسب سكان إحدى المناطق التي استُهدِفت بعمليات الإخلاء، قُطعت الكهرباء في حي غليل، وهو أحد الأحياء المتأثرة، بعد يوم واحد من مشاهدة السكان كلمة “إخلاء” مطلية على أبنيتهم.

وبحسب شهود، يُعطى السكان إشعاراً تتراوح مدته من 24 ساعة في أحد الأحياء إلى ما بين أسبوع واحد وستة أسابيع كحدٍ أقصى في أحياء أخرى. وهذا ما يخالف المبادئ الأساسية والتوجيهية للأمم المتحدة، بشأن عمليات الإخلاء والترحيل بدافع التنمية، إذ على السلطات إشراك جميع الأشخاص المتأثرين في العملية، وتقديم إشعار مناسب لهم، وإرسال المعلومات مسبقاً، وإعطاء كافة السكان المتأثرين وقتاً كافياً للاطلاع العلني على المخطط المقترح أو الاعتراض عليه، بما في ذلك وضع خطط لحماية الجماعات المهمشة.

كما يجب على السلطات أن تقدم التعويض وإعادة التوطين لجميع المتضررين بدون تمييز، وأن تضمن عدم تشريد أي شخص نتيجة الإخلاء، (و”أي شخص” تشمل المواطنين وغير المواطنين، ومن يملكون وثائق ملكية ومن لا يملكون، والمستأجرين أيضاً).

إذاَ، لقد خالفت السلطات السعودية الأنظمة المحلية، وبينها نظام نزع الملكيات للمنفعة العامة، فهي لم تقم حتى بتثمين الأملاك ومنح السكان حق الاعتراض، كما ينص القانون، ورفضت تقدير قيمة التعويض إلا بعد هدم الأبنية، بل تطالب المتضرّرين بمراجعة الجهات المعنية وتقديم “إثباتات” حول الضرر الذي لحق بهم!

وفي حين تزعم السلطات تقديم تعويضات للسكان المهجّرين، ثبت الوقائع العكس، و حتى التعويضات التي تُجبِرُ السلطات بعض المواطنين على القبول بها لا تكفي لشراء شقة، ولا تساوي ثلث قيمة المنزل المهدّم.

وكانت إحدى الصحف قد كشفت مطلع العام 2022 برنامجاً للتعويض على المواطنين، يستثني المقيمين الأجانب الذين يشكلون نسبة تصل إلى 47% من الذين جرى إخلاؤهم، والسلطات بهذا تمارس التمييز الظالم أيضاً بحق مئات الآلاف من المقيمين الأجانب.

في إحدى تقارير صحيفة “دايلي ميل” البريطانية، وصفت مشروع “نيوم” بـ”الكابوس والمشروع الطوباوي البائس والقائم على تهجير الأُسر والإعدامات”، مرجّحةً أن هذا المشروع “الذي يرعاه محمد بن سلمان، المولع بالخيال العلمي، لن يصبح حقيقة”.. لعلّ هذا التوصيف لمشاريع بن سلمان الخيالية هو الأدقّ، ويبدو أن الترجيح الذي قدمته الصحيفة قريبٌ جداً من الواقع أيضاً..

هكذا تُضاف إلى جريمة تهجير السكان التي قام بها آل سعود جريمةٌ أخرى، هي تبديد ثروات الشعب على أوهامٍ وخيال!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى