تقارير خاصةمقالات

حقوق السجناء: حق المحكومين لسنوات طويلة مُنتهكٌ في السعودية

تعتبر صكوك الأمم المتحدة أن الهدف الجوهري لمعاملة السجناء هو إصلاحهم وإعادة تأهيلهم اجتماعياً.

وبحسب دليل الأمم المتحدة لحقوق السجناء فإنه ينـبغي أن يسعى نظام السجن للتقليل إلى أدنى حد أي اختلافات بين حياة السجن والحياة الحرة، وهي الاختلافات التي تؤدي عموماً إلى تقليل إحساس السجناء بالمسؤولية أو تقليل الاحترام الواجب لكرامتهم كأفراد من البشر.

تلك المبادئ أو التوصيات تتناسب مع الأحكام المطوّلة التي سيقضي فيها السجناء معظم أو ما تبقى من حياتهم في السجن.

هذا المقال هو من ضمن سلسلة مقالات “حقوق السجناء”. السلسلة أطلقتها لجنة الدفاع لتكون صوت المعتقلين في السعودية، عبر الإضاءة على حقوقهم والانتهاكات الهائلة التي يتعرّضون لها. وقد اعتمدت السلسلة على مجموعة صكوك وقوانين دولية صادرةٍ عن الأمم المتحدة.

وبمقاربة الحالة السعودية، نجد أن الأشهر الثلاثة الماضية شهدت أحكامَ سجنٍ قاسية غير مسبوقة، وصفها حقوقيون بالحقبة الجديدة المليئة بالخوف والقمع والأحكام المرعبة بحق نشطاء الرأي في المملكة.

وما بين صكوك الأمم المتحدة والمعاملة التي يلقاها معتقلو الرأي في السعودية على يد سجّانيهم بحسب روايات معتقلي الرأي ووثائق المنظمات الحقوقية، يوجد تناقضات كبيرة جداً، كالسالب والموجب.

حيث يرزح معتقلو الرأي تحت وطأة القمع والتنكيل والمعاملة القاسية والمهينة داخل السجون.

ولا تراعي إدارات السجون حقوق معتقلي الرأي، ولا تتقيّد حتى بواجباتها الواردة في نظام الإجراءات الجزائية، والسبب يرجع لتغاضي السلطات المختصّة عن سلوك إدارة السجون بحق معتقلي الرأي، والتي تعتبر بمثابة ضوءٍ أخضر لممارسة الانتهاكات خارج إطار القانون وبعيداً عن المحاسبة والعقاب.

والأمثلة كثيرة وظاهرة للعيان، فعندما يقوم المحكوم بمحاولة استئناف الحكم الظالم الصادر بحقه، يعاقب بمضاعفته.

كما جرى مع أسامه خالد، المعتقل منذ 2020، حكمت عليه المحكمة الابتدائية بالسجن 5 سنوات قبل أن تحكم عليه محكمة الاستئناف بالسجن 32 سنة! 

سلمى الشهاب الطالبة في جامعة “ليدز” حكم عليها بدايةً بالسجن ست سنوات، بتهمة “جريمة” استخدام موقع إنترنت “لإثارة الاضطرابات العامة وزعزعة الأمن”، لكن محكمة الاستئناف أصدرت عليها حكماً مغلظاً بالسجن لمدة 34 عاماً يليه حظر سفرٍ لمدة 34 عاماً.

وفي حالات أخرى متزايدة، يُحتَجز معتقلو الرأي  لفتراتٍ إضافية غير محدودة، في انتهاك فاضح للمادة الثانية من نظام الإجراءات الجزائية التي تمنع هذه الممارسات.

وأيضاً هناك حالات يحتجز فيها معتقلو الرأي بعد انقضاء محكوميتهم في مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، بذريعة أن هؤلاء “ضالّين” أو “إرهابيين” حسب وصف السلطات!

وحين يوشك الحكم على الانتهاء يتم تمديد العقوبة، عبر إعادة المحاكمة وفق تهم جديدة تظهر فجأة، فتصدر أحكام بالسجن لسنوات طويلة من محكمة الإرهاب.

فالمحكمة الجزائية المتخصصة (محكمة الإرهاب) تصدّرت أحكامها في الفترة الأخيرة عناوين الصحف العالمية وتقارير منظمات حقوق الإنسان، نظراً لافتقارها معايير المحاكمة العادلة، وفق ما تؤكد منظمات حقوقية.

مثلاً، أصدرت تلك المحكمة حكماً جائراً على كل من عبدالإله الحويطي وعبدالله الحويطي بالسجن 50 سنة ومثلها منع من السفر، في أطول حكم على معتقلي رأي في البلاد. هذا الحكم جاء على خلفية تضامنهما مع عائلتيهما، رفضاً لتهجيرهم من منازلهم، بسبب رغبة السلطات في استغلال المنطقة من أجل مشروع “نيوم”.

المحكمة ذاتها حكمت بسجن أستاذة الأدب والنقد الحديث في جامعة الملك سعود نورة بنت سعيد القحطاني 45 عاماً، بتهمة “السعي لزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية والإخلال بتماسك المجتمع ونظامه العام عبر الشبكة العنكبوتية”.

 

كيف تتعامل إدارات السجون مع معتقلي الرأي؟

يتعرّض معتقلو الرأي لانتهاكاتٍ مستمرّة داخل السجون، كمنعهم من الاتصال المنتظم مع ذويهم، وربط الزيارات بمزاجية إدارة السجن.

وكذلك فرض قيود صارمة على حرياتهم وحقوقهم داخل السجن، فضلاً عن المعاملة الحاطة للكرامة بما يتناقض مع قواعد الأمم المتحدة النموذجية لحقوق السجناء.

ومن هنا يرى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وكذلك المنظمات الحقوقية الدولية أن السعودية لاتزال بعيدةً جداً عن العدالة، وعليها الالتزام بجدّية بالمعاهدات التي وقعت عليها، لجهة مراعاة حقوق الإنسان وضمان حقوق السجناء لا سيما معتقلي الرأي، الذين لم يركتبوا أي جريمة.

وهذا لن يتم إلا من خلال الانتقال من سياسة القمع وتقييد حرية الرأي والتعبير إلى إجراء إصلاحاتٍ شاملة وانفتاحٍ حقيقي على جميع مكونات الشعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى