تقارير خاصةمقالات

إطلاق سراح معتقلي الرأي بعد سنوات المعاناة.. فرحة الحرية منقوصة

مُبهِجاً يبدو خبر إطلاق سراح معتقلِ رأيٍ بعد سنواتٍ من الاعتقال التعسّفي، تبدو الحرية كانتصارٍ طال انتظاره. لكنّ هذا الانتصار الذي ناله المعتقل بعد معاناةٍ طويلة وصبرٍ مرير، جعلت السلطات السعودية منهُ فرحةً منقوصة.

منذ سنوات اتّخذت السلطات من أسلوب منع السفر بعد إطلاق السراح نهجاً تُحارب به المعارضين السلميين والناشطين الحقوقيين، فتفرض عليهم سنواتٍ من منع السفر توازي سنوات اعتقالهم. وهكذا يُغادر المعتقل السجن الصغير إلى سجنٍ أكبر وأوسع، مُدرِكاً أن هذه الحريةُ هي حريةٌ زائفة، لن تسمح لها السطات أن تكتمل أبداً.

تخشى السلطات انتشار المعارضين في بلدان العالم، لأنها تُدرِك أن حجم حرية التعبير وسهولة استخدام وسائل التواصل خارج البلاد، يتخطّى بأشواطٍ ما هو موجودٌ داخل البلاد في ظلّ سلطةٌ قمعيةٌ مثلها. ولهذا تُلاحق المعارضين في الخارج، خوفاً من تأثيرهم وحجم الفضائح والانتهاكات التي من الممكن أن يكشفوها.

إن السلطات السعودية، وبمعزلٍ عن منع السفر التعسّفي الذي تفرضه على معتقلي الرأي، قد سرقت سنواتٍ من أعمارهم ظلماً وبلا مبررٍ قانوني. هذه السنوات لن ينساها المعتقلون حتى بعد إطلاق سراحهم ومغادرتهم جدران السجن. على سبيل المثال المعتقل علي حسن العلوان، الذي أُطلِق سراحه مطلع العام الحالي، قضى 12 سنةً في السجن ظلماً، فمن سيعوّض عليه هذه السنوات التي سُرِقت من عمره وعمر عائلته؟ والأمر نفسه في ما يتعلّق بالمعتقلين اللذين أُطلِق سراحهما، كميل الحاجي وعلوي الحسين، اللذين قضيا عشر سنواتٍ خلف قضبان السجن التعسفي أيضاً.

يُعاني المعتقلون من الآثار النفسية السيئة للاعتقال والتعذيب الوحشي والممارسات المهينة، ما يجعل العودة إلى ممارسة حياتهم الطبيعية أمراً مُرهقاً في كثيرٍ من الأحيان. كما يعاني الكثير من المعتقلين سابقاً من نوبات هلعٍ واضطراباتٍ عصبية حادة، نتيجة التجربة المروّعة التي عاشوها في سجون السلطات.

يُغادر بعض المعتقلين السجن ليجدوا أن أبناءهم قد كبروا دونهم، وبعض الأبناء لا يستطيعون التعرّف على آبائهم نظراً لحرمان المعتقلين من الزيارات العائلية، ليترك هذا الأمر أثراً مؤذياً في نفوس الآباء، ويشكّل في الوقت عينه صدمةً وإرباكاً للأبناء الذين حُرموا من والدهم فجأةً وعاد إليهم فجأةً أيضاً.

وعانى معتقلون آخرون حرماناً من نوعٍ آخر، فقد حُرِم المُعتقل محمد البشر من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة على والده قبل وفاته، وأُطلِقَ سراحه بعد وفاة والده بعامين، ليخرج إلى حياةٍ لن يرى والده فيها مجدداً، أبداً.

إنّ الحياة خارج السجن بعد الإفراج تتحوّل عند بعض المعتقلين إلى كابوس، نظراً للقلق الدائم الذي يعيشون معه، والخوف من التعرّض مجدداً للاعتقال التعسفي، فالسلطات تُمارِس القمع والاستبداد عشوائياً وبلا منطق.

تسعى السلطات لتدمير حياة معتقلي الرأي بشتّى الطرق، تحوّلهم في السجن إلى أجساد بأرواح منطفئة، وتُفرج عنهم لاحقاً مدّعيةً التسامح واحترام القانون، لكنّ الحقيقة هي أنها تُطلق سراحهم وهي تُدرِك أنها سلبتهم أهمّ سنوات أعمارهم وأطفأت بريق الحياة في نفوسهم.

من المعتقلين المُطلَق سراحهم مؤخراً: مصطفى آل عمار، قضى 8 سنوات في السجن. عبدالكريم الخضر، قضى 10 سنوات في السجن. أيمن الزاهر، قضى 4 سنوات في السجن. زهير بلال آل حمد، قضى 5 سنوات في السجن. حسن سعيد الهلال، قضى 8 سنوات في السجن. محمد عبدالرحمن الحميضي، قضى 6 سنوات في السجن.

إنّ جميع معتقلي الرأي قد دخلوا السجن ظلماً، وقضوا خلف قضبان سنوات طويلة سرقتها السطات من أعمارهم دون تعويضٍ يساويها، واستمرّت السلطات بممارسة الاستبداد بحقهم حتى بعد إطلاق سراحهم، عبر حرمانهم حقوق المدنية والسياسية. على السلطات السعودية الإفراج عن جميع معتقلي الرأي والناشطين في مجال حقوق الإنسان، إذ ليس هناك ما يبرر اعتقال مواطنين لمجرّد ممارسة حقهم في التعبير عن آرائهم أو لمطالبتهم بحقوقهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى