رغم التعذيب والمعاناة.. معتقلات الرأي في السعودية أقوى من الاستبداد
ربما، تمنّت سلمى لو أنها لم تعد أبداً إلى موطنها.
لو كانت سلمى الشهاب تُدرِك أن زيارتها الأخيرة إلى السعودية ستكلّفها ما تبقّى من عمرها، لفضّلت البقاء في بريطانيا إلى الأبد، لتناسَت وطنها وتجاهلت حنينها إلى بلدها في سبيل البقاء قرب ولديها الصغيرين والحفاظ على حياتها.
لن يعود الزمن إلى الوراء أبداً، سيحافظ الزمن على مساره الطبيعي، سيمرّ بطيئاً على سلمى، وكذا ستمرّ العقود الثلاثة التي ستقضيها خلف قضبان السجون السعودية.
هي قصةٌ واحدةٌ ضمن قصصٍ كثيرة، ليست سلمى وحدها، في معتقلات النظام السعودي عشرات النساء ممن تحتجزهنّ السلطات السعودية بشكلٍ تعسفي، وتُصدِرُ بحقهنّ أحكاماً تُخالف المعايير الحقوقية والقيم الانسانية.
تختلف أعمار هؤلاء السيدات وتخصّصاتهنّ وانتماءاتهنّ الدينية أو السياسية، ويجمعهنّ الظلم اللاحق بهنّ من قِبل سلطات بلدهنّ. معظم التهم الموجّهة لهنّ تتعلّق إمّا بالتعبير عن آرائهنّ أو بالمشاركة في أي نشاطٍ هدفه المطالبة بالإصلاح، أو الدفاع عن معتقلي الرأي والمطالبة بإطلاق سراحهم.
كما قصة سلمى، برزت قصة المعتقلة نورة القحطاني (50 عاماً)، وهي ناشطة حقوقية وأمٌ لخمسة أطفال، اعتُقِلَت لنشرها تغريداتٍ عبر حسابٍ وهمي في “تويتر”، ولمتابعتها بعض الحسابات في “تويتر” و”يوتيوب”، حُكِم عليها بالسجن 45 عاماً ومثلها منعٌ من السفر بعد انتهاء مدة المحكومية، ليكون هذا الحكم أطول حكمٍ بحق سيدة ومن أطول الأحكام.
تفتقر محاكمات هؤلاء المعتقلات لشروط العدالة، فهي تجري غالباً بشكلٍ سري بعد جلسات تحقيق غير قانونية.
كشفت تقارير عدّة حصول عمليات تعذيبٍ وحشية في السجون السعودية، وقدّمت التقارير تفاصيل مروّعة عن ما تتعرّض له المعتقلات من تعذيبٍ وإهاناتٍ وتحرّشٍ جنسي. وقد كشفت شهادات معتقلات سابقات، تعرّضهنّ للتعذيب (الصعق الكهربائي والضرب والجلد)، بالإضافة إلى التحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب.
تشير بعض الأرقام إلى وصول عدد معتقلات الرأي في السجون السعودية إلى مئة، من ضمنهم الناشطة إسراء الغمغام التي كانت على وشك أن تواجه حكم الإعدام بعد مطالبة النيابة العامة بإعدامها، وقد تراجعت المحكمة عن الحكم بعد حملة استنكارٍ دولية واسعة.
من ضمن المعتقلات صحافياتٌ أيضاً، منهنّ زانة الشهري ومها الرفيدي وغيرهما. كما تحتجز السلطات السعودية ممرضات وطبيبات ومدرّسات.
وكان عدد من حرّاس السجون قد سرّبوا مشاهداتهم لإحدى وسائل الإعلام، متحدثين عن تعذيبٍ مروّع تتعرّض له الناشطات، وتحرّشٍ جنسي وتصرفاتٍ لاأخلاقية.
خلال شهر رمضان المنصرم، بدأت المعتقلات إضراباً مفتوحاً عن الطعام، للمطالبة بإطلاق سراحهنّ، لكنّ مطالبهنّ لم تلقَ أي تجاوبٍ من قِبَل السلطات.
دلال الخليل، نعيمة المطرود، مهى الحويطي، أسماء السبيعي، مريم آل قيصون، عايدة الغامدي، أمينة الراشد.. وغيركنّ الكثير، لستنّ مجرّد أسماءٍ ولا أرقام، كل سيدة منكنّ هي قضيةٌ تستحق أن تُحكى كل يوم، أنتنّ خلف قضبان السجون المظلمة تحاول السلطات كتم أصواتكنّ، ونحن هنا صوتكنّ جميعاً حتى تُبصِرنَ الحرية من جديد.