النشاط الحقوقي.. جريمة العصر في السّعودية!
لسنواتٍ طويلة، يقبع العشرات من المعتقلين المطالبين والمدافعين عن حقوق الإنسان داخل السجون السعودية وفق تهمٍ لا ترقى إلى جرائم بمقتضى القانون الدولي. تشمل هذه التهم الممارسات السلمية مثل التظاهر السلمي، تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، المشاركة السياسية والتعبير عن الآراء، كلها ممارسات سلمية تجرمها السلطات السعودية وتعاقب كل من يمارسها إما بالسجن لسنوات أو بالإعدام وسلب الحياة.
في نهاية عام 2020، صعّدت السلطات السعودية من اعتقالاتها، استأنفت حملةً قمعية صارمة تشبه حملة الاعتقالات التي شنتها عام 2017 ضد كل من أعرب عن رأي انتقادي للحكومة أو عبّر عن آرائه في مجالات مختلفة أو طالب بحقوقه البديهية، احتجزتهم تعسفياً لنشاطهم الحقوقي ثم حكمت عليهم بأحكامٍ ظالمةٍ وفق غطاءٍ من التهم الباطلة التي لا أساس لها.
ورغم مرور السنوات واستمرار المطالبات بحقوق حرية التعبير وغيرها من الحقوق الأساسية، تواصل السعودية انتهاك حقوق المواطنين وتعزيز قمعها لإسكات كل من ينطق بالحق، فما هي بعض الممارسات التي تجرّمها السعودية وتخرق من خلالها القوانين الدّولية الخاصة بحقوق الإنسان؟
التعبير عن الرأي والمطالبة بالتغيير والإصلاح
“لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة ولكل إنسان حق في حرية التعبير”، هذا ما تنصّ عليه بنود المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهذا ما يجب أن يتمتع به أي إنسان.
لكن الوضع في السعودية يختلف تماماً، حيث يُحظر التعبير عن الآراء حتى في أقل القضايا تأثيراً. العديد من الأفراد قضوا حياتهم خلف القضبان بتهم تتعلق بالتعبير عن الرأي أو حتى بالصمت وعدم الإدلاء بآراء متملقة للسلطات ومؤيدة لسياساتها.
انفرد القضاء السعودي بتهمة فريدة من نوعها لا وجود لها في أي من المواثيق والقوانين المحلية أو الدولية، وهي تهمة الصّمت. علي بادحدح، خطيبٌ ومحاضر وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز، كانت من بين تهمه إفادته خلال التحقيق بأنه لم يغرد على حسابه منذ مدة واختار عدم التعليق في مسألة الخلاف بين السعودية ودولة قطر لتفادي المهاترات في مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي سياق سياسة كم الأفواه وتقييد الحريات التي يمارسها آل سعود، اعتُقل الشيخ عباس السعيد عام 2020 على خلفية آراء سلمية كان قد عبّر عنها في وقت سابق. المحكمة الجزائية المتخصصة أصدرت بحقه حكماً بالسجن لمدة 27 عاماً إثر استمراره في التعبير عن آرائه السلمية ومطالبته بإيقاف الاعتقالات السياسية. وقد خضع الشيخ السعيد لجلسات تحقيق متكررة طوال السنوات العشر الأخيرة قبل اعتقاله.
المشاركة في التظاهرات السلمية
“يكون الحق في التجمع السلمي معترفاً به. ولا يجوز أن توضع قيود على ممارسة هذا الحق..”، المادة الواحدة والعشرون من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تحمي حق المواطنين بالتظاهر السلمي وتنظيم اعتصاماتٍ عمّاليةٍ أو عامة، فيما تمنع السلطات السعودية المواطنين من ممارسة حقهم في التظاهر السلمي كوسيلة للتعبير عن مطالبهم واحتياجاتهم للسلطات.
ولا تقتصر القيود المفروضة على منع التظاهر، بل تشمل أيضاً تجريم هذا الحق، مما يؤدي إلى احتجاز العشرات من الأفراد وتوجيه تهم غير مبررة لهم. بناءً على ذلك، يُحكم على هؤلاء الأفراد بالسجن لسنواتٍ طويلة وفقاً لادعاءاتٍ لا أساس لها من الصحة.
إسراء الغمغام، ناشطةٌ حقوقية اعتقلت إثر مشاركتها في الاحتجاجات السلمية التي وقعت في المنطقة الشرقية عام 2011. حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة على الغمغام بالإعدام على خلفية اتهامها بالمشاركة في الاحتجاجات. بعدها خففت محكمة الاستئناف الحكم، لتقضي بسجنِ إسراء 13 عاماً ومثلها منعٌ من السفر.
العديد من المعتقلين يقبعون داخل السجون السعودية منذ عام 2011 حتى اليوم على خلفية التعبير عن الآراء والمطالبة بالحقوق الأساسية من خلال المشاركة في التظاهرات السلمية التي حصلت في المنطقة الشرقية.
عام 2021 قضت المحكمة الجزائية المتخصصة بالسجن على الناشط محمد الربيعة لمدة ست سنوات يتبعها مثلها منعٌ من السفر. الربيعة دعم الحملة من أجل حق النساء في قيادة السيارات في السعودية، فاعتقل عام 2018 ضمن حملة قمع ضد المدافعين عن حقوق الإنسان ووجهت إليه تهم غير معترف بها بموجب القانون الدولي.
الانضمام للجمعيات أو الجهات الحقوقية
“لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه”، هذا ما ينصّ عليه أول بندٍ من بنود المادة الـ 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لكن السلطات السعودية لا تسمح بإنشاء الجمعيات أو النقابات العمالية لا بل تجرّم تأسيسها.
جمعية حسم هي جمعية غير حكومية تعنى بالحقوق المدنية والسياسية، تهدف إلى التوعية بحقوق الإنسان استناداً إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948. في عام 2013، أدرجت الجمعية ضمن القائمة السوداء للحكومة السعودية، حيث أصدرت المحكمة الجزائية بالرياض حكماً يقضي بمحاكمة مؤسسي الجمعية وحلها ومصادرة ممتلكاتها بشكل فوري.
وليد أبو الخير، مؤسس منظمة مرصد حقوق الإنسان في السعودية، هو مثال بارز للمدافعين عن الحقوق الذين اعتُقلوا تعسفياً. اعتقل أبو الخير عام 2014 لرفضه توقيع تعهد بالتخلي عن نشاطه الحقوقي، وجرت محاكمته أمام المحكمة الجزائية المتخصصة لقضايا الإرهاب، التي استخدمت لمحاكمة العديد من معتقلي الرأي.
وجهت إلى أبو الخير عدة تهم من بينها “إنشاء جمعيّة غير مرخصة والإشراف عليها”، وهي مرصد حقوق الإنسان، التي سجلها في أونتاريو بكندا بعدما رفضت السلطات السعودية ترخيصها. حكم عليه بالسجن لمدّة 15 عاماً يتبعها مثلها منعٌ من السّفر، بالإضافة إلى غرامة مالية قدرها 200,000 ريال سعودي.
يخلو نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الساري في السعودية منذ عام 2015 من أي إشارات إلى حقوق الإنسان، وتمنح السلطات صلاحيات واسعة النطاق لوزارة الشؤون الاجتماعية، بما في ذلك منع منح التراخيص للمنظمات الجديدة وحلها وفقاً لرغبتها.
في أبريل عام 2013 ، استدعي محمد العتيبي وهو عضو مؤسس لمنظمة “اتحاد حقوق الإنسان”، مع ثلاثة رجال آخرين للاستجواب بعد طلبهم الحصول على ترخيص لإنشاء المنظمة. وقد أرغمت هيئة التحقيق والادعاء الرجال الأربعة على توقيع تعهدات بإغلاق المنظمة، ثم أُحيل العتيبي ومدافع آخر عن حقوق الإنسان إلى المحاكمة بناءً على نشاطهم الحقوقي المستمر.
بعدها لم تتمكن أي منظمة حقوقية مستقلة من التسجيل وفقاً لقانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وواجه المدافعون عن حقوق الإنسان ملاحقات قضائية بعد محاولتهم التسجيل رسمياً، ووجهت إليهم تهمٌ مشابهة لتلك التي وُجهت لمحمد العتيبي.
مساءلة الحكومة والدعوة إلى المشاركة السياسية
“يكون لكل مواطن الحق في أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون في حرية وأن ينتخب وينتخب في انتخابات نزيهة تجرى دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين”، هذا ما تنصّ عليه بنود المادة الخامسة والعشرين من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
خالد العمير، ناشط في مجال حقوق الإنسان والإصلاح الدستوري، حكمت عليه المحكمة الجزائية المتخصصة بالسجن لمدة سبع سنوات يتبعها مثلها منعٌ من السفر. هذه الأحكام جاءت على خلفية تعبيره عن آرائه عبر منصات التواصل الاجتماعي ومطالبته بتعديل دستوري في البلاد.
تجرّم السعودية أي نشاطٍ حقوقي، حيث تحاسب الحقوقيين على ممارساتهم السلمية وتعاقبهم عند مطالبتهم بحقوقٍ مشروعة. كما تقيّد حرية المواطنين في التظاهر السلمي والمشاركة السياسية التي تُعد من حقوقهم الأساسية لإدارة وتحسين شؤون البلاد.
السلطات السعودية مطالبةٌ بالإفراج الفوري عن الناشطين المدافعين عن حقوق الإنسان الذين اعتقلوا ظلماً لمجرد تعبيرهم السلمي عن آرائهم ومطالبتهم بحقوقهم، كما يجب عليها أن تتيح للمدافعين عن حقوق الإنسان تأسيس الجمعيات والنقابات التي تضمن حقوق المواطنين وتشكل صوتاً يعبر عن احتياجاتهم.