من داخل معتقلات آل سعود، إليكم قصتي!
مرت أيامٌ قليلةٌ على وصولي إلى السّجن، زنزانتي مظلمةٌ وجدرانها صلبةٌ سوداء تملؤها آثارُ حفرٍ وطباشير. في هذه البقعة لا أعرف معنى الضوء، لا مكان للشمس سوى نافذةٍ صغيرةٍ أعلى الجدار تتسلل منها خيوطٌ رفيعة من نورها. قصتي بدأت عندما اعتقلتني السّلطات السّعودية فجأة، سمعت كثيراً عن معتقلي الرأي الذين يسجنون دون تهمةٍ سوى التعبير عن الراي والمطالبة بالحقوق، وها أنا هنا كسائر المعتقلين منهم لا أعرف ما هو جرمي وما هي تهمتي!
فور وصولي إلى مقرّ إقامتي الجديد، صدح صوت الباب الحديدي في رأسي، بقوةٍ سارعوا إلى إغلاقه خلفي، أحكموا إطباقه بأقفالٍ غليظة لأبقى وحيداً بين جدرانٍ أربع. حاولت النوم لعلّي أهرب من هذا الكابوس، أو لعلّي أستيقظ فيكون ما أعيشه كابوساً فأجد نفسي على سريري في منزلي الدافئ، يعلو صوت لعب الأطفال من الغرفة المجاورة بينما تملأ أرجاء غرفتي رائحة طعامٍ تعدّه زوجتي داخل مطبخها. لكن هذا لم يحدث! كلما تسلل النوم إلى عينيّ كُسر الصّمت بركلةٍ عنيفة يركلها الحارس على باب زنزانتي ليحرمني النوم. لحظاتٌ قليلةٌ ويختفي صوت الباب، يهرب النوم مني ويضج المكان بقهقهاتٍ تأتي من خلف الخارج، ضحكاتٌ صادرة من الحراس تسخر من معاناتي.
حانت السّاعة المنتظرة معلنةً حلول منتصف اللّيل، وما هي إلا لحظات حتى اقتحم الحراس زنزانتي وبفزعٍ نهضتُ متسائلاً عن الذي يجري ليجيبوني بضربي وإعادة الأصفاد إلى يديّ، تلك الأصفاد التي انتزعوها قبل ساعاتٍ قليلة فقط ثم عصبوا عينايّ واتجهوا بي إلى جهةٍ مجهولة!
مرت دقائق قليلة، ها أنا أجلس على كرسيّ قديم، مكبّل اليدين ومعصوب العينين، لا شيء أمامي سوى الظّلام وصمتٌ مخيفٌ يملأ المكان! فجأة أزيحت القماشة عن نظري لأجد نفسي في غرفةٍ أكبر قليلاً من زنزانتي، أمامي طاولةٌ ومحقق، إذاً ها أنا في غرفة التّحقيق! بدأ المحقق حديثه معي بتهديدي، لم يسعى لمعرفة حقيقة الاتهامات الموجهة إليّ بل انشغل بترهيبي : “إذا كانت تهمّك سلامتهم عليك التعاون معنا”، هذه كانت عبارته الأولى تبعها أسماء جميع أفراد عائلتي وأقاربي وحتى أصدقائي، ومع كل اسمٍ يذكرُ كان قلبي يؤلمني فقاطعت المحقق قائلاً أني لم أرتكب أي جرمٍ ولم أفعل شيئاً مخالفاً. لضعفي ظننت أن عبارتي ستنقذني ولكنها كانت مفتاح تعذيبي، انهال عليّ رجلان بالضرب وبدأت اللكمات تاتي من كل جانب، وبعد الانتهاء من الضرب المبرح انتقلوا ليجلدوني بالسوط.. لقد كانت لحظاتٌ مؤلمةٌ مرعبة، رغم ذلك لم أغيّر من أقوالي فأنا على حقٍ فيما أقول فكررت على مسامعهم أن لا شيء لدي لأقوله.
بعد أن فرغوا من تعذيبي، لم يجدوا سبيلاً لتغيير أقوالي فبدأ المحقق بترديد ما اتهموني به، ذكر الكثير من الجرائم التي لم ارتكبها فلم أخف وبثباتٍ وشجاعة أنكرت كل التّهم الموجهة إلي. بعد أن أنكرت انتقلوا إلى مستوى أعنف من التعذيب، ضربوني مرة أخرى ثم صعقوني بالكهرباء حتى شعرت أنني على وشك الموت. انتهوا من إيذائي وتُركت على الكرسي لا أعي ما يجري حولي، اقترب المحقق مني ورمى أوراقاً أمامي ودون أن أعرف ما الذي تحتويه طلب مني التّوقيع! استجمعتُ بعضاً من قواي وطالبت بقراءة سطور هذه الأوراق فأتتني الصّفعةُ مباشرة من المحقق، زاد عنادي ورفضت التوقيع بشجاعة أخافته فأمر بصعقي مرةً أخرى. استمر التّعذيب هذه المرة مطولاً حتى وقّعت على الأوراق تحت تأثير إجرامهم.
ما إن انتهيت من التّوقيع حتى جرجرت إلى زنزانتي من جديد، بالكاد كنت أستطيع أن أمشي، لقد خارت قواي ولم أعد أستطيع الوقوف حتى. وصلنا أمام الباب الحديدي، ها هو صوت الأقفال في أذني مرةً أخرى، أُزيلت العصبة عن عيني مع فتح باب المعتقل، وما زلت لا أرى سوى الظلام. ما إن فُتح الباب حتى رُميتُ بقسوةٍ على الأرض رغم إصاباتي، وقبل أن يغلق الحارس بابي للمرة الثانية نظر إليّ وأطلق ضحكته السّاخرة قائلا:”انتظر المحاكمة!”.
وبعد مرور سنواتٍ طويلة على اعتقالي، ما زلت أقبع داخل الزنزانة ذاتها وحدي، لكني لست وحيداً في معاناتي، يشاركني المئات من معتقلي الرأي القابعين داخل المعتقلات السّعودية، ورغم اختلاف أعمارنا تقاسمنا المأساة ذاتها، وسجنّا فقط لأننا طالبنا بحقوقٍ مشروعة وعبّرنا عن آرائنا التي تهدف لازدهار بلادنا، ورغم ذلك ما زلنا نرى أملاً في إنصافنا ونيلنا لحريتنا ولن نتراجع عن حقوقنا ومطالباتنا التي لا شك في احقيّتها!