مقالات

المادة السادسة والثلاثون من نظام الإجراءات الجزائية: السّعودية تنتهك قوانينها!

< يجب أن يعامل الموقوف بما يحفظ كرامته ولا يجوز إيذاؤه جسدياً أو معنوياً ويجب إخباره بأسباب توقيفه>

البند الأول من المادة السادسة والثلاثون من نظام الإجراءات الجزائية السعودي

بعد سنوات طويلة من محاولة السعودية إخفاء تعذيبها لمعتقلي الرأي..سرّبت صحيفة “الغارديان” البريطانية عام 2019 تقارير عن الأوضاع الصحية للمعتقلين داخل سجونها فضحت أنهم يعيشون أنواعاً مختلفة من الانتهاكات النفسية والجسدية. تسريباتٌ اعتبرت بمثابة إقرار من الديوان الملكي عن سوء معاملتهم للسجناء رغم محاولة النفي الرسمي العلني وإثباتاً لانتهاك السعودية لقوانينها التي تدّعي رفض الإيذاء الجسدي أو المعنوي.

مع تزايد الضغوطات على الرياض بسبب معاملة معتقلي الرأي وخصوصاً بعد جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي أجريت فحوصات على نحو 60  معتقلا بطلبٍ من السلطات السعودية.

الصحيفة كشفت عن تفاصيل تبرز هول مأساة معتقلي الرأي داخل معتقلات آل سعود، كدمات وحروق وجروح ونقص حادّ في الوزن، هذا بعضٌ من معاناة المعتقلين التي خلُصت إليها التقارير الطبية. بعض السّجناء لا يستطيعون الحركة على الإطلاق بسبب جروح في السيقان وجروحٍ قديمة أخرى لم تلتئم بسبب الإهمال الطبي، أما سوء التغذية فجعلهم يعانون هزالاً شديداً ويتقيؤون الدم باستمرار لنقص السوائل في أجسامهم.

هذا التقرير لم يكن سوى عينة بسيطة مما يقوم به آل سعود من انتهاكاتٍ ضد معتقلي الرأي خلف أسوار السجون. عمليات تعذيب قاسية مارستها السلطات ضد معتقليها وأثارت قلقاً مستمراً على مصيرهم لدى الأوساط الحقوقية الدولية.  صحيفة “إندبندنت” البريطانية شاركت عام 2022، دراسة أجرتها مؤسسة “غرانت ليبرتي” الخيرية لحقوق الإنسان، أكدت من خلالها أن معتقلو الرأي في السعودية يتعرضون للقتل والاعتداء الجنسي والوحشية في التعامل طوال فترة تواجدهم داخل السّجن. الدراسة أشارت إلى أن أعداداً هائلة من السجناء تعرضوا للتعذيب فيما تعرّض آخرون للاعتداء الجنسي.

عايدة الغامدي، امرأة مسنة سجنت وعذبت فقط لأن ابنها الناشط السياسي وفي مجال حقوق الإنسان عبد الله الغامدي طلب اللجوء خارج البلاد. الغامدي صرّح أن والدته عايدة واثنين من أشقائه اعتقلوا بعد أن غادر إثر تعرّضه للتهديد بسبب حملته ضد السياسات الاستبدادية في بلده الأم.

والدة الغامدي البالغة من العمر 65 عاماً احتجزت مع أبنائها لمدة ثلاث سنوات في حبسٍ إنفرادي، تعرضوا خلالها لأبشع أنواع التعذيب الجسدي كإطفاء السجائر بأجسادهم وضربهم وجلدهم. العائلة المالكة في السعودية استخدمت عائلة الناشط الحقوقي كرهينةٍ للضغط عليه للعودة إلى داخل البلاد لمحاسبته ضمن سياسة إسكات كل من يطالب بحقوقه ويدافع عن المساواة والعدالة الاجتماعية.

في ديسمبر 2015، اعتقلت الناشطة والمدافعة عن حقوق أهالي المنطقة الشرقية إسراء الغمغام بشكلٍ مفاجئ، القوى الأمنية داهمت منزلها واقتادتها وزوجها موسى الهاشم إلى وجهةٍ غير معروفةٍ في البداية. تواجه إسراء اتهاماتٍ تتعلق بالتظاهر السلمي وحرية التعبير، خلال فترة اعتقالها تعرّضت لمختلف أنواع التعذيب والإخفاء القسري وواجهت خطر الإعدام عام 2018، وبعد ضغوطات دولية ومطالباتٍ حقوقية تم الحكم عليها بالسجن مدة 13 عاماً.

لم تقتصر نتائج التعذيب داخل المعتقلات السعودية على ترك آثارٍ نفسية وجسدية لدى معتقلي الرأي، بل جرّدت المعتقلين من حياتهم في كثير من الحالات. حسين جاسم آل يوسف شابٌ من أهالي المنطقة الشرقية،  اعتقل عام 2023 في سجن المباحث في الدمام ضمن حملة تعسفية. لم يعرف حسين سبب اعتقاله، وبعد سنة ونصف انتهى به الحال ميتاً على يد سجّانه بعد أن عاش ظروف اعتقالٍ قاسية وتعرض للتنكيل والتعذيب. حسين ليس الشاب الوحيد الذي قتل تحت التعذيب، إذ أن 12 معتقل رأي استشهدوا جراء التعذيب أو نتيجةً للحرمان من الرعاية الصحية.

خطر الاعتداءات الجسدية والنفسية لا يقتصر على انتهاكات السجّان فحسب، إذ أن معتقلو الرأي مهددون أيضاً بسوء المعاملة من قبل المساجين. الداعية السعودي موسى القرني قتل في زنزانته عام 2021 على أيدي سجناء آخرين، القرني كان قد اشتكى إلى إدارة السجن مراراً من المخاطر التي تهدد حياته من السجناء الذي سُجن معهم إلا أن القائمين لم يحركوا ساكناً لحمايته.

إذاً على عكس ما تقرّه المادة السادسة والثلاثون من نظام الإجراءات الجزائية السعودي، يتعرض من يقبع وراء القضبان في السعودية إلى انتهاكاتٍ واعتداءاتٍ جسيمة قد تودي بحياتهم. حالياً وبعد التقارير التي سُربت، لا يسمح برصدٍ مستقل لأوضاع السجون في السعودية وترفض السلطات التعاون مع هيئات الأمم المتحدة. هيئة حقوق الإنسان الرسمية التابعة للحكومة فشلت في معالجة الشكاوى المتعلّقة بالتعذيب أو سوء المعاملة داخل مرافق الاحتجاز التي قامت بزيارتها، بل على عكس دورها عملت كأداة تجميل وتبييض لصورة السلطات. وبذلك فإن السعودية تمارس سياسة التعتيم ضد معتقلي الرأي للتغطية على معاملتهم اللاإنسانية ضدهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى