القرارات السعودية الجديدة الخاصة بالمرأة …. هل جاءت لتمكينها أم لإهدار كرامتها؟
حاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومنذ بداية تحكمه بالسلطة الفعلية داخل المملكة، أن يضفي حول نفسه هالة رمزية، تجعله في نظر المراقبين، مثالًا للقائد الشاب الملهم والمتحرر، الذي يريد أن يسابق الزمن ليركب موجة الحضارة، من خلال إقدامه على قرارات تُقلب واقع المملكة نحو الأفضل، ومن تلك المحاولات والقرارات التي عَمِدَ بن سلمان على اتخاذها، ما يتعلق منها بحقوق المرأة السعودية، وسعيه لتحريرها من الضغوطات الاجتماعية التي كانت مسلطة عليها. لكن مع مرور الوقت، بدأ أولئك المراقبون لهذا الأمير الشاب، يغيروا نظرتهم عليه، بسبب حجم التناقضات التي قام بها في هذا الشأن وفي شؤون أخرى عديدة.
ففي الوقت الذي اتخذ بن سلمان بعض القرارات التي في صالح حق المرأة، مثل حقها في قيادة السيارات، وحقها في العمل والدخول إلى مجالات كانت حكرًا على الرجال، تجده يزيد من عزلة النساء في الشؤون المتعلقة بحقها في التعبير بحرية والتفكير كإنسانة حرة، بل وصل إلى مرحلة زج العديد منهن في السجون بسبب نشاطهن في المجال الحقوقي والدفاع عن حق المرأة في حريتها السياسية وأبداء رأيها في الشؤون العامة التي تخص المملكة ونظامها السياسي. ووصل الأمر بأبن سلمان، إلى أنه لم يكن يبتغي في قراراته انصاف المرأة كما هو الحال عند دول العالم المتقدم، أنما قام باستيراد كل الأساليب والممارسات التي من شأنها أهدار كرامة المرأة وجعلها لا تختلف كثيرًا عن بعض نساء أوربا من حيث استعمالها كسلعة قابلة للشراء والبيع.
فهل يا ترى كان نضال المرأة السعودية لنيل حقوقها، من أجل أت تُعطى حق “الانفلات”؟ أم انها ناضلت من اجل اخذ حقها في التعامل معها كإنسانة، لها الحق في العيش بكرامة وحرية، قادرة على أبداء آرائها السياسية من غير أن تتعرض للسجن والأذى.
قرارات سعودية جديدة تعطي المرأة الحق في رفض العيش مع محرمها أو ولي أمرها ومناسبة قولنا اليوم، هو ما قام به النظام القضائي السعودي المسيطر عليه من قبل بن سلمان، بإعطاء المرأة السعودية حق العيش دون محرم أو ولي أمر، وفي المكان الذي تريده. ويأتي هذا القرار، تعزيزًا لقرار سابق للقضاء السعودي، بإسقاط ولاية الرجل على المرأة والذي صدر قبل نحو عامين.
وبحسب الصحيفة المحلية “عكاظ” فقد قام القضاء السعودي بتعديل مادة في نظام المرافعات الشرعية، ألغى فيه حق ولي أمر المرأة باستدعائها إلى محرمها. الأمر الذي فسّره قانونيون، على أنه احترام لقرار المرأة الراشدة التي تريد الاستقلال في المسكن، وهذا يشمل المرأة العزباء أو المطلقة أو الأرملة، ويقضي بعدم إجبارها بقوة القانون على الإقامة مع محرمها دون رغبتها.
هل هي عملية تحرير للمرأة أم لتغريبها؟
ومع أن الجميع لا يختلف في أهمية رفع الضغوطات والعائدات البالية من على كاهل المرأة السعودية، وأنها خطوة مهمة طال انتظارها من قبل الشعب السعودي، لكن الذي يحدث هو عكس ما كان يطمحون له، أو على الأقل لم تكن “إصلاحات”، لأنها لم توفر الحد الأدنى من الحرية والكرامة للمرأة السعودية.
فلو حاولنا استعرض بعض تلك “الإصلاحات” التي قام بها بن سلمان للمرأة السعودية لوجدناها أنها تتناول القشور وليس لب المشكلة بالنسبة لها. ففي قرارٍ هلَّلت له السلطات السعودية كونها ماضية في تمكين المرأة السعودية، تمثل بإعطائها الحق بفتح حسابات بنكية لأبنائها القصر، حتى يتسنى لها إدارة شؤون أولادها المالية، وفي السنوات الماضية سمحت السلطات السعودية للنساء بقيادة السيارة والسفر من دون موافقة وليها وحضور الفعاليات الرياضية والجلوس في الأماكن المختلطة مع الرجال.
وإذا كانت قيادة السيارات هو حق للمرأة في جميع دول العالم، ماعدا السعودية، نرى أن حقها بالاختلاط في الأماكن العامة هو في حقيقة أمره عملية امتهان لكرامة المرأة وليس لتمكينها من حقوقها. ففي كثير من دول العالم المتقدمة، يُخصص للمرأة أماكن جلوس منفصلة عن الرجال، حتى في المواصلات العامة لديهنَّ أماكن جلوس منفصلة عن الرجال أو وسائل مواصلات منفصلة عن الرجال لحفظ كرامتهن، بينما في السعودية يتم فعل العكس والتقهقر إلى الوراء باسم حقوق المرأة وتمكينها.
وهناك الكثير من القرارات الأخيرة التي أقدمت عليها السلطات السعودية، والتي حوت على الغث والسمين، من مثل حق المرأة بالسفر دون محرم، وحقها بالإبلاغ عن حالة الزواج أو الطلاق أو المخالعة، والسماح لها بدخول ملاعب كرة القدم، وإقامة عروض للأزياء، والسماح بإلغاء الأقسام العائلية بالمطاعم والمقاهي، وأصبح بالإمكان للرجال والنساء غير المرتبطين بالاختلاط علانية في المطاعم، فضلاً عن الحضور المختلط للمهرجانات الموسيقية والمؤتمرات التجارية والمهنية، وخلال هذه التحولات غير المسبوقة، تم تخفيف قواعد لباس المرأة، والسماح بالشعر المكشوف.
مع ذلك كله، فأن محاولات ولي العهد السعودي منح المرأة السعودية المزيد من الحريات التي تتوافق في بعضها مع ما يريده الشارع السعودي والبعض الأخر لا يتوافق، غالبًا ما تكون تلك القرارات مترافقة مع سجل حقوقي بالغ السوء للمملكة بحق مواطنيها من الرجال أو من النساء. ففي هذا الشأن، ذكرت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، أن المملكة تتعرض لضغوطات من الحكومات الأجنبية وجماعات حقوق الإنسان، بسبب قمع المعارضة.
ورغم أن مسألة تمكين المرأة السعودية، قد يساعد في تحسين سمعة المملكة في الخارج، لكنها ليست كافية فيما يتعلق بحقوق الانسان المنتهكة في المملكة.
ردود فعل المواطنين السعوديين على القرارات الأخيرة:
استقبل المواطنين السعوديون القرارات القضائية بالكثير من اللغط وبالأخص فيما يتعلق بموضوع حق المرأة في السكن المستقل، ففي هذا الشأن أورد بعض المغردين، أنه “لا تقبل بلاغات وقضايا التغيب إلا إذا ارتبطت بجريمة”، كما يؤكد أنه “بعد انتهاء محكومية المرأة المسجونة لا تسلم إلى وليها ولها الحق أن تخرج وتستقل”.
يُذكر أن “بلاغات التغيب” ضد النساء والمقدمة من الأسرة وأولياء الأمور، من أكثر القضايا جدلا في المملكة. وندد بعض مستخدمي موقع تويتر بحق المرأة في السكن المستقل، معتبرين أن ذلك يخالف الأعراف والتقاليد. وانتقدوا التيار النسوي في السعودية.
وباتت المحاكم السعودية لا تقبل دعاوي الأهل لبلاغات التغيب أو في حال انتقال المرأة للسكن والعيش بشكل مستقل.
ومن الجدير بالذكر، أن السعودية كانت سابقًا وبموجب بموجب نظام ولاية الرجل، يجب أن يكون لكل امرأة سعودية ولي أمر، وكانت الدولة السعودية تتعامل مع النساء كقاصرات دائمات من وجهة نظر القانون. لم تفعل السعودية ما يذكر لإنهاء هذا النظام، الذي ما زال أهم عقبة تعترض حقوق المرأة في البلد. بالتالي فأن هذه القرارات لو كانت بالفعل في صف المرأة كما يروج لها النظام، لكان من الأولى أن يدعم النظام اصدار القرارات التي تمكن المرأة من حرية التعبير وحرية أبداء رأيها فيما يدور في المملكة وسياساتها، لا أن تأخذ “حقوق” هي في حقيقة أمرها أقرب إلى الانفلات منها إلى الحرية.