هذه كلمات ليست لرثائها، بل لرثائنا، ورثاء هذه الأنظمة الورقية المهترئة التي تسخّر كل إمكانيتها لحرب الناشطات والناشطين من مواطنيها.. فقط لأنهم يريدون مستقبلًا يصبح الجميع شركاء فيه.. مستقبلًا لا تحتكره مجموعة ولا حزب وتيار ولا جماعة ولا عائلة.
وكلمات لأولئك الشامتين بأن شماتتهم يجب أن تكون على دولة هي نمر من ورق يظنون فيها أن الحديد والنار والقمع والإرهاب وملاحقة المواطنين وإعدامهم والتحرش بهم يصنع قوة.
وكلمات لنا جميعًا أن المناضلين قد يموتون.. ولكن النضال لا يموت..
وألا ننتظر هذا الضوء في آخر النفق.. بل سنحفره حفراً.. وسننحت من الصخر وطنًا يتفيؤ ظلاله كل أحد.. وسننام على كفّ الزمان واثقين أن وجه الصبح يأتي كل يوم.
أو كما يقول محمد الثبيتي:
أَدِرْ مُهْجَةَ الصُّبْحِ
صُبَّ لنَا وطنًا فِي الكُؤُوسْ
يُدِيرُ الرُّؤُوسْ
وزِدْنَا مِنَ الشَّاذِلِيَّةِ حتَّى تَفِيءَ السَّحَابَةْ أَدِرْ مُهْجَةَ الصُّبْحِ
واسْفَحْ علَى قِلَلِ القَومِ قَهْوتَكَ المُرَّةَ
المُسْتَطَابَةْ
أَدِرْ مُهْجَةَ الصُّبْحِ مَمْزُوجَةً بِاللَّظَى
وقَلِّبْ مواجعنَا فوقَ جَمْرِ الغَضَا
ثُمَّ هَاتِ الرَّبَابَةَ
هاتِ الرَّبَابةْ
كان الأديب أحمد أمين يتحدث عن المصلحين في القرن التاسع عشر والعشرين وقبلهما، وكتب كتابه الممتع “زعماء الإصلاح في العصر الحديث” وكان فيه يشحذ الهمة لحرث الأسئلة الملغومة، لإعادة النظر والقراءة، لإظهار المكنون، وكشف المظنون..
فكانت دعوة للقلق الفكري.
مؤدى كلام أمين ينتهي إلى اعتبار أن الدراسة الفكرية لأي تراث مصلح أو مفكر أو عالم أو فيلسوف أو عبقري، تقود لنتيجة متقاربة في الإحساس الثري بمستوى القلق الفكري الذي يدفع هؤلاء العظماء للقلق الفكري المستديم الذي يلد الأسئلة ويصنع الإشكاليات ويطرح التساؤل خلف كل جواب مضمر.
هذا الهم الدائم والسعي الدؤوب الذي يلازم أصحاب العقول الكبيرة.
في إيهاب ما يظهر بأنه هدوء وطمأنينة تامة على آلاء الصديق لكل من عرفها وعمل معها ثورة عاصفة من الأسئلة السياسية والمشاريع والعمل والقصص والتحديات.. لا يعرفها الكثير ولم يسمع عنها الناس إلا بعد وفاتها -تغمدها الله بواسع رحمته- وربما هناك الكثير لم يسمع عنه أحد بعد.
بسبب ذلك الهدوء العاصف والطمأنينة القاصفة أقامت حكومة أبوظبي القيامة السياسية على دول الجوار، ودفعت بطاقاتها وأموالها لإعاقة أوراق الهجرة لآلاء في بريطانيا وحاولت مرارًا وتكرارًا اغتيالها معنويًا وتشويه صورتها.. وإشاعة عنها كل الصفات السيئة.. فقال عنها الإعلام الحكومي الإماراتي كل شيء.. وهدّدوا بكل شيء.. وسحبوا جنسيتها وجنسية والدها وإخوانها.. ولم يكن أي من ذلك ليوقف آلاء أو يعرقلها.
كان يرعبهم هذا الهدوء العاصف، وهذا العمل الدؤوب وهذا التحدي الذي لا يتوقف برغم الظروف والضغط النفسي والسياسي والاجتماعي.
كانت تخوض معارك لا تنتهي ليس فقط مع نظام واحد هو الإمارات ولكنها أيضًا تخوض معارك ضد قوى الاستبداد لأن تلك القوى المتحالفة للاستبداد لا يمكن أن تهزمها إلا قوى لمكافحته، ولذلك وافقت أن تكون الرئيسة التنفيذية لمنظمة القسط التي ترصد حقوق الإنسان في السعودية.
ولأنها كانت مقتنعة بأن هموم حقوق الإنسان ليس لها أيدلوجية ولا حدود، دافعت عن كل أحد بغضّ النظر عن خلفيته وجنسيته. كانت من أول الناس الذي ساهموا بشكل أساسي في مؤتمر “مصلحون معاصرون” وكانت سباقة للتنظيم والترتيب والتصميم.
وهي تعلم أن الدفاع عن كل مظلوم ومضطهد هو أيضًا دفاع عن أقرب مضطهد إليها والدها الشيخ محمد عبدالرزاق الصديق الذي سيكمل قريبًا عشر سنوات في سجون الإمارات سيئة السمعة.
وياللمفارقة توفيت في يوم الأب.. وفي يوم اللجوء العالمي.. وهي اللاجئة التي لبثت تدافع عن أبيها وتنافح لأجل حريته وحرية الجميع.
هذا العمل الدؤوب المكثف في شكلٍ مهذّب وبعيد المدى هو ما يخيف المستبدين والخصوم.. وهذا ما أرعبهم في آلاء.