غضب أمريكي من سياسة ابن سلمان بقمع معارضيه
أبرزت مجلة فورين بوليسي الأمريكية حالة الغضب والإحباط في دوائر صنع القرار الأمريكية من سياسة ولي العهد محمد بن سلمان باعتقال معارضيه.
وتحدثت المجلة في تقرير لها عن حالة من الإحباط في واشنطن بسبب استهداف بن سلمان معارضيه السياسيين، بما في ذلك اعتقال ولي العهد السابق محمد بن نايف.
وأكدت المجلة أن الإحباط الأمريكي من تصرفات ولي العهد علامة أخرى على أن العلاقات بين أمريكا والسعودية لا تزال محفوفة بالمخاوف.
وذكر تقرير المجلة أن كبار المشرعين الأمريكيين يحثون الرئيس جو بايدن على الدعوة للإفراج عن المعارضين السياسيين وأبنائهم المعتقلين بأوامر من بن سلمان.
وأشار إلى أن الملاحقة القضائية التي تشنها السعودية ضد المسئول الاستخباري السابق في المملكة سعد الجبري وأفراد أسرته تطورت الآن لتخاطر بكشف مشاريع أمريكية سرية لمكافحة الإرهاب.
وأوضح أن الكونغرس يضغط لمنع تسرب هذه الوثائق في القضية، التي يمكن أن تكون عامل توتر جديد في العلاقات السعودية-الأمريكية، والتي تعتبر مضطربة أصلاً مع إدارة بايدن.
ويتدخل مسؤولون أمريكيون في دعوى قضائية في كندا تقدّم بها سعد الجبري على ما تظهر وثائق، في تحرك غير معهود في معركة قضائية معقدة تهدد بكشف أسرار حكومية أمريكية حساسة.
وسعد الجبري، المستشار الأمني ومسؤول الاستخبارات السابق في السعودية الذي يعيش راهنا في منفى اختياري في كندا، متورط في نزاع مرير في العائلة المالكة السعودية بين ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف وابن عمه الأمير محمد بن سلمان الذي حل محله في العام 2017.
وقال الجبري الذي عمل عن قرب ولمدة طويلة مع مسؤولين أمريكيين في عمليات سرية لمكافحة الإرهاب، في دعوى قضائية رفعها العام الماضي، أنّ ولي العهد محمد بن سلمان أرسل في 2018 فريق اغتيالات لقتله في كندا، فيما اثنان من أولاده معتقلان في السعودية للضغط عليه للعودة إلى البلاد.
وفي دعاوى مضادة في الولايات المتحدة وكندا، اتهمت شركات سعودية مملوكة للدولة الجابري باختلاس مليارات الدولارات فيما كان يشرف على عمليات سرية خلال تولي الأمير محمد بن نايف المحتجز حاليا السلطة.
وأظهرت وثائق صادرة عن المحكمة أن واشنطن في مأزق حقيقي وتسعى إلى حماية أسرار الأمن القومي دون التخلي عن حليفها القديم الجبري الذي يحتاج بشدة إلى تقديم أدلة على تعاونه الاستخباراتي لدعم دفاعه في قضايا الاختلاس.
ويرى خبراء قانونيون أن واشنطن يمكن أن تتذرع بـ “امتياز أسرار الدولة” الذي سيسمح لها بمعارضة أمر من المحكمة للكشف عن معلومات تعتبر ضارة بالأمن القومي للولايات المتحدة.
لكنّ الولايات المتحدة ليست لها سلطة مماثلة للتأثير على المحاكم الكندية.
وفي خطاب موجه الى محامي الجبري، يحضّ محامي وزارة العدل على “تأجيل (تقديم) جميع المستندات” الى محكمة في أونتاريو حتى 30 أيلول/سبتمبر، لإتاحة الوقت لواشنطن للنظر في إجراءات لحماية مصالحها.
وكتب محامي الحكومة مالكولم روبي في رسالة مؤرخة في 29 حزيران/يونيو “المسائل المتعلقة بالعلاقات الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة… تتطلب تقييما حساسا ومعقدا” من المسؤولين.
وأضاف أن ليس لواشنطن “موقف” من القضية، لكنها قلقة حول مسألة “حماية معلومات الأمن القومي الحساسة”.
وأرسل الخطاب أيضا إلى مستشارة وزارة العدل الكندية إليزابيث ريتشاردز، “على سبيل المجاملة”، في إشارة إلى أن الولايات المتحدة تنسق بهدوء مع نظرائها الكنديين.
وذكرت رسالة روبي أن مستندات دفاع الجبري ستطلق تلقائيا آلية بموجب “المادة 38 من قانون الأدلة الكندي” تجبر محاميه على تنقيح معلومات حساسة.
ويشير خبراء قانونيون الى إن هذه المادة تمنع الكشف عن معلومات أو مستندات حساسة دون موافقة المدعي العام الكندي أو أمر من المحكمة.
ويقول محام مقيم في تورونتو متابع للقضية وطلب عدم الكشف عن هويته، “المحاكم الكندية لم تشهد قط شيئا من هذا القبيل”.
ويضيف “في حين أن المادة 38 قد تمنع بشكل مؤقت إفشاء أسرار الأمن القومي للولايات المتحدة، إلا أنها تحرم الجابري من استخدام أدلة مركزية في دفاعه”.
ورفعت الدعاوى شركات عدة من بينها شركة “سكب” القابضة التي تديرها الدولة والتي أسسها، وفق وثائق المحكمة، محمد بن نايف في عام 2008، وكانت جزءًا من شبكة شركات توفر غطاء لعمليات الأمن السرية مع الولايات المتحدة.
وأخذ الخلاف منعطفا جديدا في آذار/مارس الماضي حين اتهمت شركة “سكب” السعودية القابضة الجابري باختلاس 3,47 مليار دولار أثناء عمله في وزارة الداخلية تحت قيادة محمد بن نايف.
وطالبت “سكب” محكمة في ماساتشوستس في الولايات المتحدة بتجميد أصوله العقارية التي تبلغ قيمتها 29 مليون دولار في مدينة بوسطن.
وجاء ذلك بعد أسابيع من مقاضاة شركات سعودية حكومية عدة الجبري في تورنتو على خلفية اتهامات مماثلة.
وأعلنت محكمة كندية في وقت لاحق تجميد أصول الجبري حول العالم.
وجاء في الدعوى التي تقدم بها الجبري أن المحكمة ستحتاج من أجل إثبات براءته، إلى التحقيق في الشؤون المالية لشركة “سكب”، بما في ذلك كيفية استخدامها في “تمويل البرامج الحساسة” بالشراكة مع وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي ووزارة الدفاع في الولايات المتحدة.
وقالت وزارة العدل في دعواها في نيسان/أبريل إنها حريصة على تسوية خارج المحكمة.
لكنّ ليس هناك أدلة على أنّ القيادة السعودية ترغب في الأمر ذاته.
ويقول مصدر مقرب من القيادة السعودية “الجبري يحاول استخدام هذه السبل القانونية لأنه عالق… هذه محاولة أخيرة لا أعتقد أنها ستنجح”، رغم مخاطر الكشف عن الأسرار التي “ستحرج الولايات المتحدة”.
وكان مسؤول سعودي قال في مطلع الشهر أنّ هذه الدعاوى القضائية “بين أطراف خاصة” وبالتالي “فالحكومة السعودية ليست معنية”.
وطالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، السلطات السعودية بإطلاق سراح ولدي الجبري سارة وعمر على الفور.
وكان حكم عليهما في تشرين الثاني/نوفمبر بالسجن لمدة ست سنوات لأحدهما وتسع سنوات للآخر. لكن “هيومن رايتس ووتش” قالت إن القضية تهدف “فقط لخلق ضغط ضد والدهما”.