التحرير الاجتماعي في السعودية يترافق مع القمع المتزايد
التحرير الاجتماعي في السعودية يترافق مع القمع المتزايد
أكّد الكاتب جيمس دورسي أن رقصات السامبا في جيزان كشفت جزءاً من انفجار الأحداث والتغييرات الاجتماعية التي يقودها ابن سلمان لتجاوز الأعراف بشكل غير رسمي من خلال دعم الترفيه على النمط الغربي في البلاد.
الباحث المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط، قال في مقالة نشرها موقع eurasiaewview أنه ثمّة ثلاثة من راقصي السامبا يرتدون ملابس ضيقة ويرتدون أغطية رأس تقليدية من الريش كشفوا حدود التحرر الاجتماعي في “السعودية” عندما رقصوا في وقت سابق من هذا العام في شوارع جيزان، المدينة المحافظة تاريخيا على الحدود مع اليمن.
ذكر دورسي أنه تمّت دعوة الراقصين للمشاركة في مهرجان جيزان الشتوي، في تناقض صارخ مع الجلباب الأسود التقليدي الذي يرتديه النساء “السعوديات” في كثير من الأحيان في الأماكن العامة، والريش ذو اللون الأزرق الذي ترك أرجلهن وأذرعهن وبطونهن مكشوفة.
في مواجهة رد الفعل المحافظ، تعهّد أمير جيزان محمد بن ناصر بـ “الإجراءات الضرورية لمنع جميع الانتهاكات (المستقبلية)”. فيما لم يكن من الواضح ما هي الخطوات التي قد يتخذها ابن ناصر، لكن رده اعترف بأن وتيرة التغيير قد تكون سريعة للغاية بالنسبة للبعض في البلاد.
من المؤكّد أن لباس الراقص تجاوز الأعراف المحرّرة التي وضعها محمد بن سلمان بشكل غير رسمي، والتي لم تعد تتطلّب من النساء تغطية أنفسهن في الأماكن العامة من الرأس إلى القدمين بزي أسود اللون عديم الشكل. لتكثر الانتقادات على خلفية ظهور الراقصات بعد تصاعد حاد في حوادث التحرش الجنسي خلال مهرجان موسيقي في ديسمبر رغم محاولة المنظمين التحذير منه على حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
الكاتب رأى أن الراقصين في المهرجان هم جزء من انفجار الأحداث التغييرات الثقافيّة في “السعودية” التي تنطوي على تغيير اجتماعي بعيد المدى وساعدت في إنشاء قطاع ترفيهي على النمط الغربي في البلاد التي كانت ذات يوم اجتماعياً شديدة المحافظة. ولفت إلى أن الترفيه هو أحد ركائز خطة رؤية 2030 لمحمد بن سلمان لتغيير المجتمع “السعودي” دعماً لمحاولة تنويع الاقتصار المعتمد على تصدير النفط.
بالإضافة إلى تقديم الترفيه على النمط الغربي وأعراف الملابس المتحرّرة، فقد تضمن التغيير الاجتماعي أيضًا رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة، وتوسيع الفرص المهنية للمرأة، وتخفيف القيود المفروضة على الاختلاط بين الجنسين. لكن مع ذلك، يتابع الكاتب، فقد سار التحرر الاجتماعي جنبًا إلى جنب مع قمع متزايد للمعارضة وحرية التعبير وجهود مكثفة لوضع القومية بدلاً من الدين في صميم الهوية السعودية.
مع وجود العديد من المثقفين ورجال الدين والمدونين والنشطاء بالفعل وراء القضبان، حذّرت السلطات السعودية الشهر الماضي من أن أي شخص ينشر شائعات “لا أساس لها” على وسائل التواصل الاجتماعي قد يواجه عقوبة تصل إلى السجن لمدة خمس سنوات مع دفع غرامة مالية. جاء التحذير بعد أن نفى رئيس الترفيه السعودي تركي آل الشيخ، المقرب من محمد بن سلمان، تقارير عن مضايقة النساء في طريق عودتهن من حفل موسيقي تم إلغاؤه في أوائل يناير.
علاوةً على ذلك، أعدمت “السعودية” حديثاً 81 شخصاً، أغلبهم من النشطاء الشيعة، في أكبر عملية إعدام جماعي في البلاد في التاريخ الحديث، وفق الكاتب. الإعدامات وقعت كما يذكر دورسي في نفس الأسبوع الذي زار فيه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون “السعودية”. وقد أظهرت الزيارة رغبة الغرب في رفع مقاطعة غير الرسمية لمحمد بن سلمان بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2018 مقابل زيادة إنتاج النفط السعودي لخفض أسعار النفط، بعدما ارتفعت أسعار النفط بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
تأتي الحملة على المعارضة وحرية التعبير في الوقت الذي أصدر فيه والد ابن سلمان، سلمان بن عبد العزيز، مرسوماً يقضي بأن تحتفل “السعودية” بتأسيسها في 22 فبراير. كما أمرت السلطات السعودية المطاعم والمقاهي بإعادة تسمية “القهوة العربية” إلى “القهوة السعودية”. فيما صُممت جهود السلطات جزئيًا على الأقل، للتخفيف من تأثير التغيير الاجتماعي السريع الذي يثير القلق بين بعض المحافظين وأولئك الذين يخشون من احتمال تخلفهم عن الركب.
يشير دورسي إلى دراسة حديثة لمارك سي تومسون جاء فيها: “في حين أن هناك دعماً واسع النطاق للرؤية، إلا أن هناك مخاوف بشأن وتيرة التغيير، فضلاً عن التصور بأنه حتى الآن كان هناك تركيز مفرط على مصالح النخبة”. وتومسون هو عالم اجتماع مقيم في “السعودية”، يتابع منذ فترة طويلة تطور مواقف الشباب السعودي تجاه رؤية محمد بن سلمان.
تومسون يقول إن: “أهم روايتين أساسيتين للهوية في “السعودية”، وهما الإسلام والأسرة، قد تغيرتا بشكل تدريجي، بغض النظر عن تحولات ما بعد عام 2030″، ويشير تومسون إلى أن المخاوف بشأن وتيرة التغيير لا تقتصر على جيل أقدم أو أقلية محافظة متطرفة، بل تشمل جميع الفئات وفق الكاتب.
عالم الاجتماع حذّر من أن معظم المراقبين السعوديين الأجانب استندوا في تحليلهم واستنتاجاتهم إلى التفاعلات مع أعضاء النخبة السعودية الذين سيخسرون أكثر إذا تعثر التغيير الاجتماعي. ونقل تومسون عن مستشار سعودي تلقى تعليمه في الغرب قوله إن معظم السعوديين “لن يتأثروا بشكل كبير” إذا فشل قطاع الترفيه.
يكمن الخطر بالنسبة لمحمد بن سلمان في أن الإصلاحات توسع فجوة الدخل المتزايدة بالفعل في “السعودية”، وتلقي بمزيد من الشك على نزاهة حملة ولي العهد لمكافحة الفساد، وتقوض الدعم الواسع لرؤيته.
وأضاف، تشعر الشركات الصغيرة والمتوسطة وموظفوها أنهم غالبًا ما يتم استبعادهم من المشاركة في المشاريع المتعلقة بالرؤية التي تفضل المشاريع العائلية الكبيرة والمعروفة. نتيجةً لذلك، ينتهي الأمر بالشباب السعودي من ذوي الأسر المحدودة الدخل والتعليم إلى الهجرة من المحافظات إلى المدن.