التعذيب في السعودية: ممارسة مؤسساتية بإشراف الملك وولي العهد
تقرير للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان
في اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب الذي يصادف 26 يونيو من كل عام، يحتفي العالم بذكرى دخول اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية حيز التنفيذ. وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية انضمت للاتفاقية منذ 1997، إلّا أنّ التعذيب ممارسة تقوم بها المؤسسات الرسمية بشكل واسع وممنهج. ارتباط هذه الأجهزة مباشرة بالملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان يطلق أياديها في ممارسة التعذيب دون خوف من الرقابة والعقاب لاستنادهم على أعلى سلطة سياسية في البلد.
يؤكد توثيق مسارات وقضايا التعذيب في السعودية، أنه ممارسة واسعة النطاق، وتشارك فيه مؤسسات أمنية وقضائية متعددة، ترجع إلى الملك وولي العهد، أبرزها النيابة العامة التي ترتبط مباشرة بالملك، ورئاسة أمن الدولة التي يرأسها ابنه بن سلمان، والتي تنضوي تحتها المباحث العامة، قوات الطورئ وقوات الخاصة. إضافة إلى ذلك تشارك وزارة الداخلية وأجهزتها وبينها حرس الحدود في عمليات التعذيب وسوء المعاملة خاصة التي تمارس عند الاعتقال
يثبت رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان للقضايا، أن التعذيب وسوء المعاملة يمارسان في السعودية، خلال كافة المراحل التي يمر بها المعتقل، من القبض عليه، ومروراً بمرحلة التحقيق ويستمر حتى بعد صدور الحكم.
التوقيف والاعتقال:
تمارس الجهات القابضة المسؤولة عن التوقيف والاعتقال التعذيب بمستويات مختلفة. فبحسب رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان يتعرض المعتقل منذ لحظة الاعتقال إلى سوء معاملة وتعذيب وغالبا لإستخدام مفرط للعنف دون مبرر، إلى جانب إخفاء قسري في الكثير من الأحيان.
في عدد من القضايا، حين يتم التوقيف من قبل حرس الحدود التابع لوزارة الداخلية، يتعرض المتهم لسوء معاملة منذ لحظة التوقيف. ففي قضية حسين أبو الخير، وهو أردني الجنسية اعتقل من قبل حرس الحدود لدى فرع إدارة مكافحة المخدرات في مدينة حقل، تعرض للضرب والتعذيب لمدة 12 يوما أجبر فيها على التوقيع على اعترافات استخدمت ضده لاحقا وهو يواجه الآن خطر الاعدام.
إضافة إلى ذلك، رصدت المنظمة الأوروبية السعودية استخدام العنف خلال مداهمات قوات الطوارئ والقوات الخاصة التي أصبحت تابعة لرئاسة أمن الدولة منذ العام 2017، حيث تم استخدام العنف والأسلحة الثقيلة وترويع العائلات. وتشير المعلومات إلى أنه في فترات مختلفة وخاصة بعد الحراك الشعبي في القطيف، استُخدمت المداهمات على نطاق واسع وفي كثير من الحالات دون مذكرات قانونية أو مذكرات توقيف. إضافة إلى ذلك، وبحسب تتبع المنظمة فإن القوات الأمنية التي تقوم بمداهمات واقتحامات مباغته للمنازل بحجة ملاحقة مطلوبين وتقدم على اعتقال كل من يكون فيها بمن فيهم النساء في بعض الحالات، من دون مذكرات توقيف. ففي قضية المعتقل سعود الفرج تم اعتقال زوجته وابنته الرضيعة خلال المداهمة التي أدت إلى إصابة الفرج بإصابات خطرة.
إضافة إلى ذلك، رصدت المنظمة انتهاكات واسعة في مراكز الشرطة. ففي مارس 2016، قُتل الشاب مكي العريض بعد يومين من اعتقاله من نقطة تفتيش واقعة بين مدينتي العوامية وصفوى. وعلى الرغم من ادعاء قوات الشرطة أنه توفي بشكل طبيعي، أكدت العائلة أنها وجدت آثار عذيب من بينها جروح وضرب وعلامات للصعق على جسده.
التحقيق:
تختص النيابة العامة، التابعة مباشرة للملك سلمان بن عبد العزيز في السعودية، وفقا للمادة الثالثة من نظامها بما يلي: التحقيق مع المعتقلين في الجرائم، التصرف في التحقيق برفع الدعوى أو حفظها طبقا لما تحدده اللوائح، والادعاء أمام الجهات القضائية وفقا للائحة التنظيمية.
توثيق المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان يبين تعرض الأفراد خلال فترة التحقيق معهم إلى التعذيب. في بعض الحالات يهدف التعذيب إلى انتزاع اعترافات وفي حالات أخرى هدفه انتقامي ويؤدي إلى الوفاة في بعض الأحيان ففي يناير 2017 وبعد أيام من اعتقاله، توفي الشاب جابر العقيلي وأشارت المعلومات إلى أنه توفي بسبب التعذيب الذي تعرض له خلال التحقيق. إضافة إلى يؤدي التعذيب خلال التحقيق إلى إصابات دائمة وإعاقات دائمة كما حصل في قضية الشاب منير آل آدم الذي أعدم لاحقا.
وثقت المنظمة تعرض الأفراد لأشكال متنوعة من التعذيب خلال فترة التحقيق، إضافة إلى ذلك، أكدت متابعات أن المباحث في السعودية تدير مرافق احتجاز غير رسمية، تسمى “الفندق” أو “الفيلا”، حيث تعرضت العديد من المدافعات عن حقوق الإنسان خلال فترة التحقيق، للتعذيب بأساليب مروعة بما في ذلك الصعق الكهربائي والتحرش الجنسي والجلد والإيهام بالغرق، من بينهن لجين الهذلول وإيمان النجفان.
إلى جانب قضايا أمن الدولة، تشير المعلومات إلى أن السجون الجنائية تمارس أيضا أشكالا من الانتهاكات. ففي قضية القاصر الشاب عبد الله الحويطي، أكد في مذكراته أنه تعرض للتعذيب منذ الاعتقال في مركز شرطة ضباء. وأشار الحويطي إلى أنه أجبر على الوقوف لساعات طويلة، كما تعرض للشتم والإهانات. وحينما تم تحويله إلى البحث الجنائي في مدينة تبوك بدأ مسلسل التعذيب الجسدي والنفسي يتصاعد، من أجل إرغامه على الاعتراف بارتكاب الجريمة.
المحاكمة:
بعد انتهاء مرحلة التحقيق، تستمر الانتهاكات بحق المعتقلين، حيث رصدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إحالة النيابة العامة لقضايا أفراد انتزعت منهم اعترافات تحت التعذيب إلى المحكمة.
يؤكد توثيق المنظمة الأوروبية السعودية أن القضاة في السعودية يتجاهلون بشكل واسع مزاعم التعذيب وسوء المعاملة. متابعة المنظمة لعشرات القضايا أمام المحكمة الجزائية المتخصصة بالإرهاب، أكدت أن القضاة يرفضون التحقيق في تأكيد المعتقلين أنهم أجبروا على المصادقة على الأقوال. في بعض القضايا يهدد القاضي المعتقل بإعادة التحقيق معه وبالتالي إعادة تعريضه للتعذيب في حال عدم الموافقة على المصادقة على الأقوال.
حللت المنظمة صكوك أحكام 14 معتقل كانوا يواجهون عقوبة الإعدام أمام القاضي، أكدوا أنهم تعرضوا للتعذيب ووغيره من ضروب المعاملة القاسية. وبحسب تدقيق المنظمة فإن القضاء السعودي لم يكترث بمزاعم التعذيب التي أكد وقوعها المحكومون بالإعدام. كما لم تتخذ الحكومة السعودية أيضاً، أية إجراءات إزاء مطالبة عدد من المحكومين بالإعدام استدعاء المحققين، وطلبهم إحضار تسجيلات الفيديو لجلسات التحقيق، حيث توجد كاميرات في غرف التحقيق، وذلك لأثبات مزاعمهم حول قيام المحققين بانتزاع الاعترافات منهم بالإكراه والتعذيب.
إلى جانب المحكمة الجزائية المتخصصة، وثقت المنظمة انتهاك المحاكم الجنائية للقوانين المحلية والدولية، حيث أصدت محكمة تبوك حكما بالقتل بحد الحرابة بحق القاصر عبد الله الحويطي، ثم أعادت الحكم عليه قصاصا، بعد نقض المحكمة العليا للحكم، على الرغم من تأكيده أنه تعرض للتعذيب الشديد خلال المحاكمة.
بعد المحاكمة:
بعد صدور الأحكام تستمر حالات الانتهاكات وسوء المعاملة بحق المعتقلين والمعتقلات. بحسب رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، يتعرض المعتقلون لسوء المعاملة خلال تمضية فترات محكوميتهم. في السجون الجنائية والسياسية.
وتدير رئاسة أمن الدولة ما يقرب من عشرين سجنا ومراكز احتجاز في أنحاء السعودية، إلى جانب سجون رئيسية ذات إجراءات أمنية مشددة مثل سجن الحائر وسجن مباحث الدمام وسجن ذهبان وسجن الطرفية. رصد المنظمة الأوروبية السعودية أكد تعرض المعتقلين لأنواع مختلفة من سوء المعاملة والتعذيب في السجون. فعلى الرغم من صدور حكم الإعدام بحقه من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة، استمرت الانتهاكات بحق المعتقل عباس الحسن، حيث وضع في زنزانة إنفرادية ومنع من الحصول على دوائه، أعدم الحسن في إبريل 2019.
إضافة إلى ذلك، يعاني المدافعون عن حقوق الإنسان من سوء المعاملة والتعذيب في السجون بعد إصدار الأحكام بحقهم، بينهم محمد القحطاني الذي تعرض لاعتداءات في السجن وتدفعه سوء المعاملة بشكل مستمر إلى إعلان الإضراب عن الطعام بشكل متكرر. كما تشير المعلومات إلى تعمد إدارة السجون إلى إهمال الحاجات الصحية للمعتقلين والمعتقلات بينهم المسنة عايدة الغامدي.
وفي أبريل 2020 توفي المدافع عن حقوق الإنسان عبد الله الحامد في ظل معلومات عن إهمال طبي تعرض له في السجن، ومايو 2021 توفي المدافع عن حقوق الإنسان زهير علي الشريدة في السجن خلال قضاءه فترة حكمه، وأشارت المعلومات إلى إهمال طبي تعرض له وتوفى الناشط موسى القرني في السجن بعد تعرضه للضرب.
إلى جانب انتهاكها أنظمتها الداخلية التي تجرّم التعذيب، تنتهك السعودية مواد اتفاقية مناهضة التعذيب.
رصد مسار التعذيب وسوء المعاملة في السعودية في مراحل الاعتقال والتحقيق والمحاكمة المختلفة يبين انتهاكها لعدد من المواد بينها:
المادة 11: ” على كل دولة أن تبقي قيد الاستعراض المنظم قواعد الاستجواب، وتعليماته وأساليبه وممارساته، وكذلك الترتيبات المتعلقة بحجز ومعاملة الاشخاص الذين تعرضوا لأى شكل من اشكال التوقيف أو الاعتقال أو السجن”.
المادة 12: “تضمن كل دولة طرف قيام سلطاتها المختصة باجراء تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بان عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب في أى من الاقاليم الخاضعة لولايتها القضائية”.
المادة 14: “تضمن كل دولة طرف، في نظامها القانوني، إنصاف من يتعرض لعمل من أعمال التعذيب وتمتعه بحق قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب بما في ذلك وسائل إعادة تأهيله على أكمل وجه ممكن، وفي حالة وفاة المعتدى عليه نتيجة لعمل من أعمال التعذيب ،يكون للأشخاص الذين يعولهم الحق في التعويض
المادة 15 “تضمن كل دولة طرف عدم الإستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب كدليل في أية إجراءات”.
تؤكد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن التعذيب جريمة بموجب القانون الدولي، وبالتالي فإن أي تحقيق للعدالة لا يمكن أن يتم من دون معاقبة المجرمين المسؤولين عن هذه الجريمة التي تمارس على نطاق واسع في السعودية ولا تستثني حتى القاصرين، إلى جانب كونها تستخدم للانتقام من النشطاء وكمقدمة لإصدار أحكام تعسفية.