أخبار

“ميدل إيست آي”: هكذا ابتلعت السعودية ناشطيها!

يروي تحقيق خاص من إعداد موقع “Middle East Eye” كيف اعتقلت السلطات السعودية 14 شخصاً  على الأقل في ربيع العام 2021. هؤلاء استخدموا حسابات مجهولة للتعبير عن آرائهم في أمور متعلقة بحقوق الإنسان والمطالب الشعبية.

لينا الشريف، 33 عاماً، طبيبة سعودية، هي واحدة من هؤلاء.

تحكي إحدى صديقات لينا كيف كانت وعلى الرغم من انشغالها الدائم تجد وقتاً للمشاركة بالنقاشات حول المطالب الحقوقية، “كانت تشارك في النقاشات في غرف الدردشة، وتناقش بعقلانية تامة المشاكل التي يواجهها المواطنون في السعودية كالفقر والبطالة والعنف”، تقول صديقة لينا.

كانت لينا تظنّ أنها محميةٌ عبر حسابها المجهول، حتى سُمِع، أثناء إحدى النقاشات في غرفة دردشة تحوي 1000 مستمع، صوتٌ يقول: “هناك طبيبة تدعي أنها بالخارج لكنها تعمل بالفعل في مستشفى بالرياض. يومها قريب”. سمِعت صديقة لينا التهديد وحذّرتها، لكنها تجاهلت الأمر واعتبرته تهديداً عابراً معتاداً.

خلال الأيام اللاحقة تم تهديدها مراراً وتكراراً عبر الإنترنت مع التحذير نفسه: نحن قادمون من أجلك.

وكّلت لينا ممثلًا قانونيًا، “إذا حدث لي شيء، فقد قلت له، أخبر قصتي واحمني”، وقّعت على وثيقة تعيينه رسمياً. بعد ساعات قليلة، اختفت.

ظنّت لينا أن الحساب المجهول سيحميها من أي ملاحقة، لكنهم، هي وغيرها من الناشطين الحقوقيين، لم يكونوا آمنين. واحدًا تلو الآخر، على مدى عدة أسابيع في الربيع السابق، تم القبض عليهم.

لينا الشريف، أسماء السبيعي، وعبدالله جيلان هم ثلاثة من الـ14 معتقلاً الذين اعتقلوا بهذه الطريقة، ومن الممكن أن يكون هناك المزيد، يقدر البعض العدد بالمئات. يشير تقرير الـ”middle East Eye”  إلى أن  “الحكومة السعودية لم ترد على طلبهم للتعليق على هذا الموضوع”.

في أواخر مايو/ أيار2021، داهمت منزل عائلة لينا قوات من رئاسة أمن الدولة SSP، (وهي هيئة تأسست حين وصل محمد بن سلمان إلى ولاية العهد)، وأخذتها مكبلة بالأصفاد، قائلةً فقط إنها مطلوبة.

لم تكن هناك معلومات عامة حول المكان الذي ذهبت إليه. في سبتمبر/ أيلول 2022، ورداً على بلاغ أرسلته مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري، كشفت السلطات السعودية أنها محتجزة في سجن الحائر، وهو منشأة ذات إجراءات أمنية قصوى تبلغ مساحتها 19 مليون قدم مربع تديرها السعودية.

تم اعتقالها بموجب مادتين من قانون مكافحة الإرهاب وتمويل الإرهاب، وهو قانون مثير للجدل تم وضعه مع صعود محمد بن سلمان إلى السلطة. منذ ذلك الحين، لم يُعرف المزيد من المعلومات عنها.

اسماء السبيعي، 22 عاماً، معتقلة رأي لجأت إلى استخدام حساب وهمي للتعبير عن رأيها أيضاً، ظناً منها أنها محمية. لكنّ الحساب الوهمي الذي استخدمته لم يستطع حمايتها من قمع السلطات السعودية وانتهاكها لخصوصيات المواطنين.

داهمت قوات رئاسة الدولة أيضاً منزل أسماء وصادرت أجهزتها الإلكترونية، وأخذتها بعيداً ولم يُعرَف إلى أين.

حتى كُشف لاحقاً أن أسماء، مثل لينا، محتجزة أيضًا في سجن الحائر، وقد ردّت السلطات السعودية في يناير/ كانون الثاني المنصرم على رسالة مشتركة أرسلتها عدة مجموعات عمل تابعة للأمم المتحدة ومقررين خاصين أثاروا مخاوف بشأن قضية أسماء خصوصاً حول أنها “اعتُقلت ردًا على منشوراتها على تويتر”.

لم ينفِ رد السلطات السعودية هذا الأمر، لكنه ذكر أنه “تم القبض عليها وفقًا لقانون المملكة لمكافحة الإرهاب وتمويل الإرهاب”.

عبدالله جيلان، 30 عاماً، كان حلمه أن يصبح أستاذ للصحة في المملكة، وذهب إلى جامعة “ويست تشيستر” في بنسلفانيا في منحة سعودية لدراسة الصحة العامة. عندما عاد إلى السعودية وتقدم للعمل في وزارة الصحة، قيل له إن شهادته غير معترف بها. لمدة ثلاث سنوات، حاول حلّ ما اعتقد أنه خطأ بيروقراطي بسيط للغاية. حتى أنه لجأ للمحكمة.

وفي ذلك الوقت عمل كسائق ليتمكن من تحصيل نفقات الزواج، حتى شعر باليأس وقرر اللجوء لوسائل التواصل بحساب وهمي. لا يزال من غير الواضح كيف تمكنت السلطات السعودية من ربط عبدالله بحسابه الذي كان يضم حوالي 400 متابع وقت اعتقاله. يقول المحامون والمؤيدون أن هذا ينطبق على جميع معتقلي مايو/أيار: “لا يمكن لأحد أن يقول بالضبط كيف تم التعرف عليهم عندما كان كل ما فعلوه على الإنترنت مجهولاً”.

هناك نظريات وشكوك، تفاقمت بعد إدانة موظف سابق في تويتر في أغسطس/آب سرّب بيانات 6000 مستخدم إلى السلطات السعودية في العام 2015 مقابل مبالغ نقدية وهدايا باهظة الثمن.

اختُطف عبدالله من منزله مساء يوم 12 مايو/أيار 2021، من قِبل 20 رجل من قوات رئاسة الدولة يرتدون ثياباً مدنية، وصلوا في قافلة مؤلفة من ست سيارات، أخذوا جميع الأجهزة الإلكترونية في المنزل، بما في ذلك الهاتف المحمول لوالدته.

بعد الاعتقال، أرسلت خطيبة عبدالله رسائل نصية إلى والدته، في محاولة لمعرفة ما حدث له. تلقت رسالة مفادها أن عبد الله “بخير”. وبعد ذلك، وصلتها رسائل من هاتف والدته تحذرها من أنه سيتم الإبلاغ عنها ومنعها من دخول السعودية نتيجة نشاطها على الإنترنت.

علمت عائلة عبدالله أنه محتجز في سجن تديره المباحث في المدينة المنوّرة، حيث تعرض في وقتين منفصلين للتعذيب بقضيب ينبعث منه حوالي 360 فولت من الكهرباء أثناء استجوابه. كما تم تقييده ووضعه في الحبس الانفرادي، ثم نُقل لاحقًا إلى سجن آخر تديره المباحث.

رداً على شكوى مقدمة لمجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة، قالت السلطات السعودية في يوليو/تموز 2021 إن عبدالله “اعتُقل بموجب قانون مكافحة الإرهاب وتمويل الإرهاب لعام 2017”.

هذا القانون الذي وضعه محمد بن سلمان يستخدمه لاعتقال الناشطين الحقوقيين. وقد أشار تحقيق الـ“Middle East Eye” إلى أن المعتقلين “يتم احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي لأسابيع أو شهور أو حتى سنوات ويتم تعذيبهم لانتزاع الاعترافات. ثم يظهر الشخص مرة أخرى بتهمة ارتكاب جرائم أمنية أو تتعلق بالإرهاب. ثم يعاقبون بأحكام طويلة بناءً على اعترافات بالإكراه، وأثناء محاكمات غالبًا ما تُعقد سراً وتنتهك بشكل روتيني الإجراءات القانونية”.

في مايو/أيار 2020، دق فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أجراس الإنذار حول هذا النمط، وأخبر الجمعية العامة للأمم المتحدة أن “الإطار القانوني للسعودية قد فشل في حماية شعبها من الاختفاء القسري الذي كان يستخدم كأداة للقمع”.

جمع “Middle East Eye” في هذا التحقيق ثلاث قصص لمعتقلين في مقتبل أعمارهم، لا ذنب لهم سوى أنهم حلموا بمستقبل أفضل لبلدهم، ليجدوا أنفسهم فجأة خلف القضبان ومتّهمين بدعم الإرهاب والترويج له.

تبدو مخيفةً فكرة أن تُلصَق بأي ناشط حقوقي تهمة الترويج للإرهاب في سبيل اعتقاله وتجريمه، لا سيّما في ظل العدد الهائل للمعتقلين الذين يواجهون مصيراً مشابهاً. لكن المخيف أكثر هو مصير الذين تخفيهم السلطات السعودية وتتكتم على أي معلومة عنهم، كيف ستُحكى قصص هؤلاء؟

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى