تقارير خاصةمقالات

معتقلو الرأي في السعودية.. محطات ومراحل: التعذيب

ترتبط مرحلة تعذيب معتقلي الرأي بشكلٍ أو بآخر بمرحلة التحقيق، التي تسير وفق مسارٍ محددٍ بهدف انتزاع اعترافاتٍ تكون وثيقة تستخدم في المحاكم وتقدم كأدلة قطعية لإنزال أقسى العقوبات.

يعاني المواطنون في السعودية من حكم نظامٍ ديكتاتوري، يقمع بوحشية عبر أذرعه الأمنية وعيونه الإلكترونية كل من يخالفه الرأي.

فكيف يستهدف هذا النظام البوليسي المواطنين؟ وما هي المراحل التي يمرّ بها معتقلو الرأي؟

المرحلة الخامسة من “مراحل الاعتقال”، السلسلة التي أطلقتها لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان.

تؤكد المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية.

هنا لا بد من التذكير أن النظام السعودي وحتى كتابة هذا التقرير، لا يزال يرفض المصادقة أو يتحفّظ على مواد عديدة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في مؤشرٍ لا لبس فيه على تمسك هذا النظام بسياساته القمعية الوحشية التي باتت محلّ تنديدٍ دوليٍ واسعٍ أحرج النظام في مراتٍ كثيرة.

ارتكبت السلطات أعمال تعذيبٍ في معتقلاتها أفضت في بعض الأحيان إلى إزهاق أرواح الأبرياء، مثل الشهيدين  حسين آل ربح ونايف أحمد العمران، كانا اعتُقلا على خلفية نشاطهما السلمي وغيرهم الكثير.

وبحسب روايات عددٍ من معتقلي الرأي، فإنهم تعرّضوا أثناء التحقيق للتعذيب الممنهج الذي تدرّج مع مرور الوقت وتنوّعت أساليبه، والأمثلة الآتية توضح معظم طرق التعذيب:

  • الضرب المبرح واللكم في كافة أنحاء الجسم لساعات طويلة
  • استخدام أدوات حادة خلال الضرب
  • ازدراء الدين والعلماء
  • السب والشتم والتحقير
  • التعذيب النفسي والتهديد بالاعتداء على الشرف
  • التحرش اللفظي والاعتداء الجنسي والتعرية
  • الصعق الكهربائي
  • التعليق من اليدين أو من الأرجل بالمقلوب
  • الحرق باستخدام السجائر ومعدّات خاصة أخرى
  • التهديد والترهيب باستهداف أفراد من أسر معتقلي الرأي وتعذيبهم
  • الحرمان من النوم والتعذيب المتواصل

التعذيب ليس سراً

لقد حاول النظام السعودي، لا سيما في السنوات القليلة الماضية، تلميع صورته المهزوزة أمام المجتمع الدولي، بسبب سياسة القمع والتعذيب المنهجي التي يتبعها لكم أفواه الناشطين في

الداخل والخارج، وادعى اهتمامه بإجراء إصلاحات متعلقة بحقوق الإنسان، غير أن ممارساته على أرض الواقع فضحت زيف ادعاءاته، وسريعاً ما كانت تتبدد تصريحات مسؤوليه الرسمية عن مراعاة حقوق الإنسان، بفعل حملات القمع والاعتقالات والتعذيب المستمر في السجون بحق معتقلي الرأي.

ووثّقت المنظّمات الدوليّة الكثير من الأفعال الشنيعة وجرائم التعذيب، التي حدثت داخل سجون المباحث وغيرها من المعتقلات السرية، كما وثّقت عدداً من عمليات الاختطاف والتصفية الجسدية والتمثيل بالجثث بحق نشطاء ومعارضين، وهذه الوثائق هزّت الرأي العام العالمي، ودفعت الكثير من الدول لإدانة الانتهاكات التي تجري في السعودية.

ولعلّ جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي مثال حي وثابت عن فكر وعقيدة ومنهج النظام في تعذيب ومن ثم تصفية معارضيه.

ويسأل مراقبون: هل استجاب النظام للمطالبات الدولية بضرورة احترام حقوق الانسان ووقف سياسة القمع والتعذيب داخل السجون بحق أصحاب الرأي؟

الإجابة عن هذا السؤال تكمن في الوقائع الموثّقة التالية:

في 2021 استمرّت ممارسة التعذيب في السجون السعودية، واستمرّت مخالفة الالتزامات الدولية، التي توجِبها مصادقة السعودية على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية. وبحسب مراقبة المنظمات الدولية، لا زالت بنية السعودية وأجهزتها، تفتقد لأساسات محاسبة المعذبين.

هذا واستمرت سياسة الإفلات من العقاب، فعلى الرغم من مرور 3 أعوام على قتل خاشقجي، لم تتم محاسبة الفاعلين، وبينهم من أشارت تقارير أممية إلى مسؤوليتهم المباشرة.

إضافة إلى ذلك، وفي 2021 وبعد الإفراج المشروط عن المدافعة عن حقوق الإنسان لجين الهذلول، رفضت محكمة الاستئناف دعوى كانت قد قدمتها وأكدت فيها تعرضها للتعذيب. وكانت الهذلول، إلى جانب ناشطات أخريات، قد أكّدت تعرّضها للتعذيب بالصدمات الكهربائية والجلد والتحرش الجنسي.

وبدلاً من استجواب المتهمين بالتعذيب، كانت السلطات قد قامت عام 2019 بابتزاز الهذلول، وعرضت إطلاق سراحها مقابل مقطع فيديو تنكر بموجبه تعرضها للتعذيب، ما يمنعها بعد ذلك من تقديم شكوى. ثم بعد ذلك، رفضت محكمة الاستئناف شكوى الهذلول، ولا زالت تمنعها من السفر ومن الحديث العلني حول ما تعرضت له. وحتى اليوم، لا زال هناك مخاوف من إمكانية إعادة اعتقال الهذلول وبقية الناشطات اللواتي تعرضن للتعذيب.

في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أكدت تقارير صحية موثوقة وفاة أحد أبرز “إصلاحيي جدة”، الدكتور موسى القرني في زنزانته بسجن ذهبان. وبحسب المعلومات التي تناقلها النشطاء تعرّض القرني للضرب من قبل مجموعة من السجناء على الوجه والرأس ما تسبَّب في تهشيم الجمجمة وتشوّه الوجه، وأدى إلى وفاته.

وكان القرني قد اعتقل في فبراير/شباط 2007 بينما كان يحضر اجتماعاً مع زملاء له يهدف إلى تأسيس جمعية لنشر الوعي بين المواطنين والدعوة إلى الإصلاح. وبعد اعتقاله تعرّض للتعذيب الشديد وتم وضعه في الحبس الانفرادي لفتراتٍ طويلة، وصدر حكم ضده بالسجن لمدة 20 سنة والمنع من السفر لمدة 20 سنة أخرى بعد إطلاق سراحه.

في ظلّ جائحة كورونا، لم يقدم النظام على أية إجراءات جدية لحماية المعتقلين في السجون، ما يصنف على أنه صنف من سوء المعاملة.

وفي مارس/آذار 2021 أعلن عدد من المعتقلين بينهم مدافعين عن حقوق الإنسان، إضرابهم عن الطعام بسبب سوء المعاملة وظروف السجن السيئة.

أما في مايو/أيار 2021 توفي معتقل الرأي زهير علي شريدة، الذي كان ضمن معتقلي الرأي الذين أضربوا عن الطعام بسبب سوء المعاملة، وأشارت المعلومات إلى أنه كان قد احتُجز في ظروف سيئة مع مصابين بفيروس كوفيد 19.

ويُعتبر الإهمال الطبي والحرمان من العلاج أحد أساليب التعذيب التي تُمارَس باستمرار داخل سجون النظام السعودي.

الأمثلة عن عمليات التعذيب في السعودية كثيرةٌ لاحصر لها، ولا شك أنها ستستمر في ظل حكم النظام السعودي، فالعقيدة الراسخة لهذا النظام مبنية منذ نشأته على القمع وتصفية الخصوم، ولا يمكن لضجيج الترفيه والاستثمار في الرياضة، واستقطاب أحداث دولية أن يخفي حجم الجرائم والانتهاكات داخل السعودية.

لذا، تُطالب اللجنة السلطات السعودية وإدارات السجون باحترام حق السجناء في المعاملة الإنسانية، وحقهم في عدم التعرّض لأي شكلٍ من أشكال التعذيب والمعاملة القاسية، وتدعو إلى الوقف الفوري لكل صنوف التعذيب التي يتعرّض لها معتقلو الرأي، كما تدعو إلى فتح تحقيقٍ شفّاف يحاسب كل المتورطين في عمليات التعذيب، وتؤكد على ضرورة إعادة النظر في قضايا المعتقلين الذي انتُزعت منهم الاعترافات بالإكراه وبشكلٍ غير قانوني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى