تقارير خاصةمقالات

صفقات جنونية وإنفاق مليارات.. “الغسيل الرياضي” يستنزف الخزينة

ستة مليارات دولار أنفقتها السعودية على عمليات الغسيل الرياضي. لم يكن الرقم صادماً أبداً، فالصفقات الرياضية التي ملأت عناوين الصحف والأخبار تدلّ على أن الرقم قد يتخطى هذا بكثير، فأصل الهدف يتطلّب الكثير؛ وغسيل سمعةٍ التصقت بالبلاد لسنوات لن يتمّ بسهولة، وفي سبيل هذا يبدو أن الحكومة السعودية استعدّت لإنفاق مبالغ خيالية.

منذ سنوات، وفي مطلع العام 2021 تحديداً، بدا أن السعودية قد شرعت في تنفيذ خطة الغسيل الرياضي، ظهر هذا مع إتمام صفقاتٍ رياضية غير مسبوقة بأرقام غير متوقعة، لتكون إحدى هذه الصفقات شراء صندوق الاستثمارات العامة لنادي نيوكاسل يونايتد في أكتوبر/تشرين الأول 2021 مقابل 391 مليون دولار، وفي الشهر عينه أنفق الصندوق ما يقدّر بملياري دولار لإنشاء بطولة LIV للغولف.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” فإن الرقم البالغ 6.3 مليارات دولار قد يكون أقل من المبلغ الحقيقي، إذ يُعرَف عن الصندوق غموضه بشأن الموارد المالية، بالإضافة إلى أنه لم يتم الإعلان عن التفاصيل المتعلّقة ببعض الصفقات، كما أن هذا الرقم لا يشمل العقود الأخرى الموقّعة قبل عام 2021، على سبيل المثال الـ 65 مليون دولار التي أُنفِقَت لعقد سباق فورمولا 1 السنوي.

عام 2022 أعلن الصندوق نيته إنفاق 2.3 مليار دولار في صفقات كرة القدم، وفي سبيل هذا استحوذ على أربعة من الأندية الكبرى في البلاد حتى اليوم، وقد أنفقت هذه الأندية مبالغ ضخمة لعقد صفقات انضمام لاعبين عالميين، وقد كانت أبرز هذه الصفقات:

  •  التعاقد مع اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو مقابل 200 مليون دولار للانضمام إلى نادي النصر، ليكون اللاعب الأعلى أجراً في العالم.
  • التعاقد مع النجم البرازيلي نيمار دا سيلفا، لينضمّ إلى نادي الهلال في صفقة بلغت قيمتها 98 مليون دولار.
  • التعاقد مع اللاعب الفرنسي كريم بنزيما للانضمام إلى نادي الاتحاد، مقابل ما يزيد عن 200 مليون دولار.
  • انتقال قائد فريق ليفربول الإنجليزي لكرة القدم اللاعب، جوردان هندرسون، إلى نادي الاتفاق السعودي مقابل أجر أسبوعي بلَغ 900 ألف دولار.

جديرٌ بالذكر أن الأندية المملوكة لصندوق الاستثمارات تحظى باهتمام الحكومة السعودية بشكلٍ بالغ، في الوقت الذي تعاني فيه بقية الأندية من الإهمال وضعف الموازنات.

هذا وكان اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي قد تلقّى عرضاً من نادي الهلال بقيمة 400 مليون دولار لكنّ الصفقة لم تتمّ، كما تلقّى اللاعب ما يقدّر بـ25 مليون دولار من هيئة السياحة السعودية مقابل ترويجه للبلاد بعد زيارته في مايو/أيار، وقد مُنِح لقب “سفير السياحة السعودية”.

وعقدت السعودية صفقات متعلقة برياضات أخرى كالملاكمة ورياضات السيارات، كما أنفقت ما يقدر بـ 60 مليون دولار لاستضافة مباراة ملاكمة عام 2022.

هل قرّرت السعودية أنها يجب أن تكون دولة رياضية متألقة عالمياً؟ لا. الأهداف أبعد من هذا بكثير، ما تريده الحكومة السعودية هو أن ترتبط كل هذه الأسماء اللامعة والأحداث المثيرة بها، بعد أن ارتبط اسمها بأحداثٍ دموية وبأسماء المواطنين والناشطين والصحافيين الذين اضطهدتهم أو قتلتهم.

ببساطة، تريد أن تزرع في أذهان الناس في مختلف أنحاء العالم فكرةً مخالفة للفكرة الحقيقية الموجودة لديهم، تريد أن تتحوّل بملياراتها من دولة ديكتاتورية قمعية تضيع فيها حقوق المواطنين، إلى دولة متطوّرة يتهافت الناس لزيارتها ويكثر الحديث عنها.

إنّ ما تسعى إليه السعودية بجدٍّ وثبات هو أن ينسى العالم أسماء جمال خاشقجي وسلمى الشهاب ونورة القحطاني ومحمد الربيعة وحسن آل ربيع وجلال اللباد وجواد قريريص.. وغيرهم ممّن طالهم استبدادها، ما تسعى إليه هو أن تستَبدل ارتباط اسمها بهم، بالارتباط بأسماء برّاقة كرونالدو ونيمار وبنزيما وغيرهم.

حين يقوم رونالدو بنشر مقطع فيديو له يقول فيه إنه يقضي أوقاتاً ممتعة في السعودية، سيغيب عن ذهن الناس مجازر الإعدام الجماعية التي قامت بها السلطات السعودية، ستنرسم في أذهانهم صورة أخرى مخالفة للصورة القديمة، أو حين ينشر نيمار مقطع فيديو له وهو يتجوّل في شوارع العاصمة بين المباني الشاهقة والمحال الفخمة، سينسى الناس تماماً حملات الهدم الطاشة التي قامت بها السلطات وراح ضحيتها مساكن آلاف الأسر والعائلات دون تعويض.

تُريد الحكومة السعودية الوصول إلى تلك النتيجة بأي ثمن وفي أسرع وقت، لذا تُهدر المليارات بلا حسابات، وتوقّع عقوداً هي أشبه بضرب من ضروب الجنون، تظنّ أنها ستنال ما تريده، لكنّ ما لا تُدركه أنّ أهدافها مكشوفة للعالم أجمع، وأن بعض الجرائم أصعب من أن تُمحى آثارها بملياراتٍ وصفقات خيالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى