تقارير خاصةمقالات

معتقلو الرأي في السعودية.. محطات ومراحل: الإعدام

لم يكن لاسم “مملكة الإعدام” أن يولد عبثاً من عدمٍ أو يأتي من فراغ، إنه اسم تكنّى به النظام السعودي بعدما جعل من الإعدام ديدنه، لتصفية خصومه ممن يخشاهم فيقتلهم، تحت عباءة القضاء .

لاسيما في العهد السلماني، أي منذ بداية حكم سلمان بن عبد العزيز ونجله محمد، حيث تم إعدام 1021 مواطناً ومقيماً بين عام 2015 وعام 2022، كما أُعدِمَ 95 مواطناً ومقيماً حتى آخر شهر أغسطس/آب 2023.

يعاني المواطنون في السعودية من حكم نظامٍ ديكتاتوري، يقمع بوحشية عبر أذرعه الأمنية وعيونه الإلكترونية كل من يخالفه الرأي.

فكيف يستهدف هذا النظام البوليسي المواطنين؟ وما هي المراحل التي يمرّ بها معتقلو الرأي؟

المرحلة التاسعة من “مراحل الاعتقال”، السلسلة التي أطلقتها لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان.

عقيدة القتل

لقد نشأ النظام السعودي نتيجة حروب داخلية، لكن غياب الإعلام وتقنياته وغياب المجتمع الدولي المتخبّط وقتها نتيجة الحربين الأولى والثانية، مكّن آل سعود من الإفلات بحروبهم، وتملّصوا من تبعات الحروب الأهلية كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والفظائع وغيرها.

وعلى الرغم من مرور عقودٍ وسنوات إلا أن عقيدة القتل لدى آل سعود لم تتغيّر كما لو أنها غريزة، فيما تغيّرت الطريقة التي يمارسون القتل من خلالها.

ومع مرور الوقت طوّر النظام السعودي عقيدة القتل لديه، وأطّرها بقالب القضاء والقانون والجزاء والمحاكمات تحت اسم أحكام الإعدام، غير أن معظم حالات الإعدام التي جرت ولا تزال، كانت لا تستحق تلك العقوبة وتمّت بحكمِ قضاءٍ مسيّسٍ بالكامل، ويتبع الديوان الملكي مباشرة، وجاءت بعد محاكمات صوريّة غير عادلة استندت إلى أدلة واعترافات انتزعها المحققون تحت التعذيب.

مزاجية الحاكم والقانون

ويشير ارتفاع حالات الإعدام، إلى استهتار النظام السعودي بالأرواح، خاصةً أن المحاكمات الصوريّة التي تُجريها محاكم النظام تفتقر لأبسط المعايير الدولية للمحاكمات العادلة.

كما تكشف الأرقام، أن انخفاض أحكام الإعدام عام 2020، كان بإرادةٍ شخصيةٍ من محمد بن سلمان، الذي كان منهمكاً في ترميم صورته الملطّخة بانتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان، وهو ما يثبّت غياب القانون والقضاء وحضور مزاجية الحاكم التي تحرّك القانون حسب ما يريد .

وهمٌ لا محدود

بعد أيام من ادعاء بن سلمان حرصه على حقوق الإنسان وحرية الآراء والمعتقدات، وإعلانه محاربة التطرف في بلاده، أقدمت سلطات النظام على ارتكاب جريمةٍ شنيعة جديدة، تُضاف إلى سلسلة من الجرائم التي لا تعد ولا تحصى، من خلال إعدام عشرات المعتقلين لديها، من بينهم 41 شهيداً من شباب الحراك السلميّ في الأحساء والقطيف شرق السعودية، وشهيدين كانا أسيري حرب تابعين للجيش واللجان الشعبية اليمنية (ما يعدّ خرقاً واضحاً لاتفاقية جنيف).

الإعدام الجسدي والمعنوي

إن جزاء من يمارسون حقّهم في التعبير عن الرأي، والمطالبة بالحق في العيش الكريم والمساواة والحرية، ليس التصفية الجسدية فقط، بل قتلهم معنوياً، من خلال جمعهم في قائمة واحدة مع متّهمين بقضايا إرهاب، بهدف حرف أنظار وانتباه الرأي العام المحلي والدولي عن هذه الجريمة.

في أبريل/نيسان 2018، وعد بن سلمان خلال مقابلة مع صحيفة “التايمز”، بتخفيض استخدام عقوبة الإعدام بشكلٍ كبير، ولكن منذ ذلك الحين نفذ النظام أكثر من 387 عملية إعدام، نصفهم تقريباً لم توجّه لهم تهمٌ تستوجب عقوبة الإعدام.

واليوم هناك أكثر من مئة معتقل رأي يواجهون خطر الإعدام في أي لحظة.

وتخشى الكثير من العائلات الافصاح والمطالبة بوقف تنفيذ أحكام الاعدام بحق  ذويهم، ما يشير إلى أن الأرقام الحقيقية تفوق الرقم المعروف.

انتقادات دولية بالجملة

تعليقاً على مجزرة الإعدام الجماعي التي ارتكبتها السلطات السعودية عام 2022، قالت منظمة العفو الدولية إن الإعدام الجماعي لـ 81 شخصاً ـ مواطنون وأجانب ـ  يشير إلى تصعيدٍ مرعب في استخدام النظام السعودي لعقوبة الإعدام.

وقالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إنّ “ما يزيد فظاعة موجة الإعدامات هذه، هو حصولها في ظلّ نظام القضاء الذي تشوبه شوائب، ويصدر أحكام الإعدام عقب محاكمات ظالمة وبالغة الجور، بما في ذلك الاستناد في إصدار الإدانات إلى اعترافاتٍ تُنتزع تحت وطأة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة”.

وأضافت: “كما يكشف هذا العدد الصادم من عمليات الإعدام مدى عدم الشفافية في قضايا عقوبة الإعدام؛ لأننا نعرف أن عدد المحاكمات التي تؤدي إلى وضع السجناء على لائحة الذين ينتظرون تنفيذ الإعدام فيهم، هو دائماً أعلى على نحوٍ ملموس من ذلك الذي يُعلن. وهناك العديد من الأشخاص في السعودية اليوم مُعرّضين لخطر الإعدام الوشيك”.

أحكام الإعدام لمن يمارس حرية التعبير

في نهاية مارس/آذار 2022، كان من المقرر أن يمثل الأكاديمي السعودي حسن المالكي الذي يعتبر أحد أمثلة التسامح الديني والمحب للحوار مع الجميع، أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في استئناف لمحاكمته التي يمكن أن يواجه فيها عقوبة الإعدام بتهم تتعلق بحرية التعبير.

وتشمل التهم الـ 14 المُضلّلة المنسوبة إليه:

  • الإساءة إلى “ولاة أمر هذه البلاد” وهيئة كبار العلماء.
  • إجراء لقاءات تلفزيونية مع صحف غربية وقنوات معادية (للنظام)
  • تأليف عددٍ من الكتب والأبحاث ونشرها خارج البلاد
  • حيازة 348 كتابًا غير مسموح من الجهة المختصة

وفي وقتٍ لاحق حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة ابتدائياً على العباس نجل حسن المالكي بالسجن 4 سنوات اعتباراً من تاريخ توقيفه، في سبتمبر/أيلول 2020، وبعدها 4 سنوات منع من السفر.

واتهمت المحكمة الجزائية الإبن المعتقل بعدة تهم جائرة منها التعاطف مع والده بنشره للتغريدات، وإتلاف الأدلة الإلكترونية.

وفي قضيةٍ مشابهة، يواجه رجل الدين سلمان العودة عقوبة الإعدام أيضاً أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، بتهمٍ تتعلّق بمساندته المزعومة لمعارضين مسجونين وللإخوان المسلمين.

 وقد وُضع العودة في الحبس الإنفرادي طوال الأشهر الخمسة الأولى من فترة احتجازه، في انتهاكٍ للمعايير الدولية مثل قواعد نلسون مانديلا، دون أن يُسمح له الاتصال بمحامٍ  أو بأسرته، ما عدا مكالمةٍ واحدة وجيزة بعد شهر من اعتقاله.

الأمم المتحدة تدين النظام السعودي

مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أكدت أن عقوبة الإعدام تتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والكرامة والحق في الحياة وحظر التعذيب، مشيرةً إلى أن عدم تزويد الأقارب بمعلومات عن ظروف الإعدام قد يرقى إلى حد التعذيب وسوء المعاملة، وعلى السلطات إعادة جثث من أعدموا إلى عائلاتهم.

وأعربت المفوضية عن قلقها البالغ من أن التشريع السعودي يتضمن تعريفًا للإرهاب فضفاضًا للغاية، يشمل الأعمال غير العنيفة التي يُفترض أنها “تعرّض الوحدة الوطنية للخطر” أو “تقوض سمعة الدولة”، ما قد يؤدّي إلى تجريم الأشخاص الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي.

وأشارت باشليه إلى أنه وفقاً للمعلومات المتاحة لمكتبها، أدين بعض الذين أعدموا بعد محاكمات لا تفي بالمعايير الدولية.

وأكدت أن “تنفيذ عقوبة الإعدام عقب محاكمات غير منصفة محظور بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، ويمكن اعتباره جريمة حرب”.

أفاد أقرباء للمعتقلين الذين نُفّذت فيهم جريمة الإعدام، أنهم لم يعلموا بالإعدام مسبقاً، ولم يحظوا بفرصةٍ للوداع.

وقال أحدهم إنه اكتشف الإعدامات عبر وسائل الإعلام المحلية، مضيفاً: “ليست لدينا أي فكرة عن كيف ومتى أُعدموا، أو كيف وأين دفنوا. ما زلت أتساءل، ماذا كانت كلمات أخي الأخيرة؟ وهل صلّوا على جثمانه؟”.

لطالما تعرّض النظام السعودي لانتقاداتٍ حادّة من منظمات حقوق الإنسان بسبب عمليات الإعدام ونظامها القضائي. كما أنّ منظماتٍ حقوقية تتهمها بالتمييز وقمع الأقليات.

وفي 2016، أعدمت السلطات عالم الدين نمر النمر إلى جانب أكثر من 45 شخصاً آخرين.

وفي 2019، أعدمت السعودية 184 شخصاً، وهو أكبر عدد في غضون عامٍ واحد في البلاد.

وبالنتائج التي سجّلتها مؤسسات الأمم المتحدة والمنظّمات الحقوقية الدولية والمحلية، وعلى ضوء الإجراءات المتّبعة والمحاكمات المتعلّقة بعقوبة الإعدام والقضايا السياسية، يظهر أن المباحث العامة -التي تتبع رئاسة أمن الدولة القمعية المرتبطة بالملك وابنه- تسحق بشكلٍ منهجي جميع حقوق المتهم التي تكفلها الأنظمة المحلية، ومبادئ حقوق الإنسان والاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

تُطالب اللجنة بإبطال كافة أحكام الإعدام الصادرة بحق معتقلي الرأي، وتُطالب بتسليم جثامين الشهداء الذين أعدمتهم السلطات ظلماً، وتدعو السلطات إلى إطلاق سراح كافة معتقلي الرأي فوراً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى