معتقلو الرأي في السعودية.. محطات ومراحل: الإفراج والمعاناة بعده
لا يتوقّف الأمر عند زجّ مدافعي حقوق الإنسان والناشطين السياسيين وأصحاب الرأي في السجون، بل تستمرّ المعاناة المريرة بعد سجنهم.
يعاني المواطنون في السعودية من حكم نظامٍ ديكتاتوري، يقمع بوحشيةٍ عبر أذرعه الأمنية وعيونه الإلكترونية كل من يخالفه الرأي.
فكيف يستهدف هذا النظام البوليسي المواطنين؟ وما هي المراحل التي يمرّ بها معتقلو الرأي؟
المرحلة العاشرة من “مراحل الاعتقال”، السلسلة التي أطلقتها لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان.
ويعاني سجناء الرأي من انتهاكاتٍ واسعة لحقوقهم بعد الإفراج عنهم، وبما يناقض، بشكلٍ يكاد يكون كاملاً، جميع المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقّع النظام السعودي عليها وفي نفس الوقت يتنكر لها.
فمعظم من تم الإفراج عنهم يتعرّض للملاحقة الشديدة داخل البلاد أو خارجها، والأمر ينسحب كذلك على أفراد أسَر معتقلي الرأي.
أبرز الانتهاكات بعد الإفراج عن المعتقلين
تتبّعت المنظّمات الحقوقية عدداً من القضايا الحقوقية المرتبطة بالمفرج عنهم، والتي تُسَجَّل على أنها انتهاكات من خارج السجون، ومنها: قضية منع السفر، انتهاك خصوصية المفرج عنهم بتقنيات التتبع والمراقبة، أزمة استمرار المحاكمات العبثية أو إعادة الاعتقال، انتهاك حق حرية التعبير والإقامات الجبرية، والملاحقة والاستهداف خارج البلاد.
وقالت المنظمات الدولية في تقاريرها إنه من المسلّمات في كل محاكمات المعتقلين تقريباً، أن يتم الحكم عليهم بالمنع من السفر بعد إطلاق سراحهم أو الحكم ببراءتهم، ناهيك عن المنع التعسّفي من السفر الصادر من وزارة الداخلية دون حكم قضائي ولو كان سياسياً.
إذ يعاني كل المعتقلين من أحكام منع السفر التي قد تصل مدتها إلى عشرين سنة، كما في حالة المعتقل عبد الرحمن السدحان.
وفي فبراير/شباط 2021، أُفرِج عن الناشطة لجين الهذلول إفراجاً مشروطاً، حيث مُنعت من السفر لمدة خمس سنوات. ولا يمكن استبعاد رفع عددها فالهذلول ما زالت تخضع لمحاكمات مستمرة.
التجسس على هواتف الناشطين وأجهزتهم الإلكترونية
يقول عمر عبد العزيز، وهو معارضٌ مقيم في كندا، إن السلطات السعودية احتجزت أخويه في أغسطس/آب 2018 سعياً لإيقاف نشاطه الإلكتروني.
وفي إطار مساعي النظام لمراقبة المواطنين، تناقلت التقارير استخدامه تقنيات وبرمجيات للمراقبة الإلكترونية، لقرصنة حسابات لمنتقدين ومعارضين للحكومة.
مركز “سيتيزن لاب”، وهو مركز بحثي أكاديمي مقرّه كندا، توصّل إلى أنّ الهاتف الخلوي الخاص بناشطٍ مقيم في كندا، كان مخترقاً ببرمجيّة تجسس في 2018، وأعلن نشطاء آخرون أنهم استُهدفوا بنفس برمجية التجسس.
وينسحب هذا الأمر على معتقلي الرأي المفرج عنهم في الداخل، ممن فرض عليهم النظام منع السفر، حيث يتعرّضون للمراقبة الإلكترونية اللصيقة.
بالمقابل تطارد السلطات أفراد أسَر معتقلي الرأي المفرَج عنهم، بين استدعاءٍ إلى مراكز المباحث أو احتجازهم والتهديد باستهدافهم والنيل من كرامتهم، في إطار سياسة ممنهجة يتَبعها النظام مع منتقديه.
حملات تلميع صورة السجون
تبعاً لتقارير موثوقة استلمتها بعض المراكز الحقوقية والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، فإن السلطات السعودية، تقود عملية مساومة قسرية مع سجناء الرأي، تشمل إجبارهم على الظهور في وسائل الإعلام الرسمية للتنديد بعملهم في مجال حقوق الإنسان، والتعبير عن الندم مقابل الإفراج عنهم، وأكّدت التقارير نفسها أن معظم سجناء الرأي قد رفضوا ذلك بشكل مطلق.
وأجبرت السلطات بعض معتقلي الرأي ممن أفرج عنهم على الظهور في وسائل الإعلام المحلية أو التي يمتلكها، لتلميع صورة السجون وإنكار وجود غرفٍ للتعذيب، أو أي نوع من ضروب المعاملة القاسية، وإنكار وجود معذّبين حتى من أفراد وزارة الداخلية أو بقية الأجهزة الأمنية، والتسويق لفكرة أن السجون جميعها تخضع لمعايير مشددة وهي أشبه بـ”الفنادق”.
وفي السياق ذكرت منظمة “Freedom Initiative” لحقوق الإنسان أن ظهور عددٍ من معتقلي الرأي على التلفزيون التابع للنظام السعودي، هو عبارة عن جهد متعمدٍ من السلطات لتبييض أوضاع السجون المتردية.
وقد أجبرت السلطات السعودية الناشط راكان العسيري لأول مرة بعد سنتين من اعتقاله التعسفي، كما أجبرت أسماء السبيعي ونور الشمري على الظهور في أحد برامج MBC، لتلميع صورة الحياة داخل سجن الحائر.
إن معاناة المعتقلين، لا تنتهي بمجرّد خروجهم من السجن، فكل ما حُرِموه في السجن ما زال محرّماً عليهم بطريقة أو بأخرى. وهذا ما لا يعرفه كثير من الناس.
وبعبارة أوضح، إن معتقلي الرأي يخرجون من الزنزانة الصغيرة إلى السجن الكبير.
وبدلاً من انتهاء مسلسل كتم الأصوات والمنع من السفر وجلسات المحاكمات السرية، يخوض معتقلو الرأي تجربة خارج السجن، ليست بالبعيدة من تجربتهم خلف القضبان.
الملاحقة والاستهداف خارج البلاد
قال الناشط الحقوقي عمر عبد العزيز إن السلطات الكندية حيث يقيم حذّرته من إمكانية استهدافه من قبل السلطات السعودية، كما حدث لصديقه الصحافي جمال خاشقجي.
ليس بالأمر الجديد أن يسعى النظام لملاحقة واستهداف الناشطين أو المفرج عنهم، ممن استطاعوا السفر والنجاة من براثن العنف والتعذيب الممنهج.
تدهور الوضع الحقوقي في السعودية
ارتفعت حدّة المخاوف على أوضاع حقوق الإنسان في البلاد منذ وصول سلمان بن عبد العزير وابنه محمد إلى الحكم، أمر أكدته منظمة “هيومن رايتس ووتش” التي قالت إن الأوضاع الحقوقية في السعودية آخذة بالتراجع منذ وصول محمد بن سلمان إلى الحكم وهناك مؤشرات كثيرة على ذلك.
تلك المؤشرات وثّقتها تقارير المنظمات الدولية الأخرى كالعفو الدولية، التي سجلت تزايد حملات القمع وارتفاع أعداد معتقلي الرأي بالإضافة إلى عملية تصفية الصحافي جمال خاشقجي، التي كشفت وجه النظام الوحشي على الملأ بشكل فاضح، واعتبرت المنظمات الحقوقية أن حملة العلاقات العامة لمحمد بن سلمان انهارت سريعا عقب مقتل خاشقجي، ولا يمكن لها أن تعود بالنفع على عائلة مهرت حكمها بالظلم والدم.
تطالب اللجنة السلطات السعودية بالتوقف عن إصدار قرارات منع السفر بحق معتقلي الرأي الذين أُطلِق سراحهم، وتطالب بعدم وضعهم تحت المراقبة أو الإقامة الجبرية، كما تؤكد على حقهم بالتمتع بكافة حقوقهم المدنية دون قيود أو شروط.