تقارير خاصةمقالات

بين الخيانة والوطنية.. انتبه للخونة الحقيقيين!

منذ سنواتٍ طويلة، يغادر مئات المواطنين السعودية نحو مختلف دول العالم، يغادرون غير كارهين لوطنهم ولا خائنين لأرضهم، بل أملاً بحريةٍ حُرِموا منها في بلدهم، وتجنّباً لجَور وظلم من استولوا على الحكم بالقوّة والإجرام.

منذ استيلاء آل سعود على الحكم وهم يمارسون سياسة القمع وملاحقة كل من يعارضهم ويعبّر عن رأيٍ يخالف توجهاتهم، هذا التهديد بالاعتقال والقتل دفع أبناء الوطن إلى مغادرة أرضهم مُرغَمين بعد أن وجدوا أنفسهم أمام خيارين: البقاء في بلدهم والسكوت عن كل ممارسات العائلة الحاكمة الظالمة، أو المغادرة والنطق باسم جميع المظلومين والمقهورين من أبناء الوطن، ومواصلة مسيرة المناضلين الذين رفعوا صوتهم بوجه الظلم والاستبداد وطالبوا بحقوقهم دون خوف.

وتعدّ أبرز أسباب لجوء المواطنين لخيار الهجرة ومغادرة السعودية:

ـ إنعدام حرية التعبير

ـ التهديد بالاعتقال والقتل

ـ تشديد القبضة الأمنية

 ـ محاربة الطاقات الشابة

هذا الواقع الذي جعل الحياة في السعودية أشبه بسجن، أرغم ويُرغِمُ عدداً كبيراً من أبناء الوطن على المغادرة، ليأتي اليوم من يتهمهم بالخيانة مستغلاً ازدياد حوادث الانشقاقات العسكرية، ففي مقالٍ في صحيفة مكة الإلكترونية التابعة للحكومة، اعتبر الكاتب أن المنشقين عن النظام السعودي مؤخراً هم من “الخونة” للوطن مستخدماً أشنع العبارات بحق كل من يعارض العائلة الحاكمة.

إن الكاتب حين شرَع يصف الناشطين والمعارضين السلميين بأبشع النعوت، غاب عن ذهنه أن الهدف من نشاطهم الحقوقي ومعارضتهم السلمية هو الارتقاء بالوطن وتطويره وتحسين واقع المواطنين فيه، فكيف يكون خائناً للوطن من يعرّض نفسه لخطر القتل في سبيل وطنه وحقوق شعبه؟

وليس كل من يغادر وطنه هو متخلٍ عنه، فالوفاء للوطن لا يُختصَر بالبقاء فيه، بل له أشكال أخرى كثيرة ومنها النضال من أجل الحرية فيه، فالحرية هي أمل الشعوب ومرامها الدائم، ومتى حُرِم الإنسان من حريّته فإنه سيسعى لاستعادتها بكل ما أوتيَ من قوة ومعرفة، وهذا ما يحصل في السعودية حيث تُمارس السلطات سياسات قمعية مشدّدة تسلب المواطنين حقوقهم وحرياتهم.

إن مغادرة الوطن هي بمثابة إعلان اعتراضٍ على سياسة العائلة الحاكمة ونهجها الذي تنتهجه في الحكم، وهذا الاعتراض هو حقٌ من حقوق المواطنين ويجب احترامه، وكذلك احترام حقهم في اختيار من يرونهم مناسباً لإدارة البلاد.

في مقال الصحيفة، ورَد أن “المواطنة الحقيقية تعني حُسن الولاء والانتماء للوطن، والحرص على أمنه، واستقراره، وتقدمه، ونهضته، ورقيه”، ونحن نقول إن من عارضوا سياسات العائلة الحاكمة هم أحرص الناس على أمن الوطن واستقراره وتقدمه ونهضته ورقيه، وإن حسن ولائهم وانتمائهم لوطنهم هو ما دفعهم للمطالبة بتحسين واقعهم، وهم بهذا مواطنون حقيقيون، وكل من يسعى لتخوينهم إنما هو يشوّه الحقيقة والوقائع.

وإذا كانت الصحيفة التابعة للنظام واثقةً من مقالها ومصرّةً عليه، فلتقل لنا لماذا تتم مراقبة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بهذا الشكل، ولتقل لنا إذا كان مسموحاً لكتّابها كتابة مقالات يعبّرون فيها عن آرائهم بصراحة بأي قضية وطنية، ولتقل لنا لماذا يُفرَض على الصحافة المحلية اتباع الخط الحكومي دون سواه، ولتقل لنا لماذا يُلاحَق الصحافيون الذين يقدّمون آراءً نقدية لسياسات الحكومة، ولتقل لنا لماذا قُتِلَ جمال خاشقجي ولماذا تسبّبت الحكومة بموت صالح الشيحي ولماذا تحتجز عشرات الصحافيين والكتّاب في سجونها!

إن مقال الصحيفة يخلط بين الأشخاص الذين لديهم الرغبة وإرادة التغيير والإصلاح، وبين الخونة الذين يسرقون الوطن ويغدرون بأبناء بلدهم ويفضّلون مصالحهم الشخصية على مصلحة وطنهم. المسؤولون عن الصحيفة حين سمحوا بنعت المعارضين بالخونة لأنهم غادروا حدود الوطن الجغرافية، نسوا أو تناسوا عن قصدٍ مجازر الإعدام التي تنفذها السلطات السعودية بحق كل من يخالفها الرأي.

نعلم أيها الكاتب حجم القيود التي تُفرَضُ علينا وعليك، ونعلم أن العائلة الحاكمة تفرض على وسائل الإعلام الترويج لسياساتها وتشويه صورة المعارضين، ولكن اعلم أن ما يُطالب به هؤلاء الناشطون هي حقوقك أيضاً وحقوق كل أبناء وطننا، واعلم أن من نهب ثروات الوطن وهدم أحياءه وشرّد أبناءه واعتقلهم وقتلهم هو أولى بوصف الخيانة، وهو الخائن الحقيقي.

بالعودة إلى مسألة الانشقاقات، فإن مواصلة العائلة الحاكمة ضغوطها الأمنية على المواطنين وسياساتها القمعية، ستؤدي بلا شكٍ إلى ارتفاع وتيرة الانشقاقات وإلى ارتفاع أصوات المواطنين الرافضين لسياساتها وإجراءاتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى