تقارير خاصةمقالات

لن تحصل فجأة.. المشاركة السياسية في السعودية ومراحل الوصول إليها

يمكن القول إن أغلب مظاهر المشاركة السياسية في السعودية معدومة، وليس الأمر محصوراً بحرمان النساء من المشاركة في الحياة السياسية كما يروّج أو يظنّ البعض، وهذا حديثٌ يبدو منفصلاً عن الواقع، إذ أن المشكلة في السعودية ليست مشكلة تجاهلٍ لحق المرأة فحسب، بل المشكلة تكمن في أن أصل المشاركة السياسية ممنوعة على المواطنين بناءً على الدستور الملكي في السعودية.

يُعرّف صامويل هنتنجتون (عالِم وسياسي وبروفيسور في جامعة هارفرد) وجون نلسون (سياسي ومحامٍ ودبلوماسي تولى منصب نائب عام الولايات المتحدة) المشاركة السياسية بأنها النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي، سواء أكان هذا النشاط فردياً أم جماعياً، منظماً أو عفوياً، متواصلاً أو متقطعاً، سلمياً أم عنيفاً، شرعياً أم غير شرعي، فعالاً أم غير فعال.

بالاعتماد على هذا التعريف، يبدو أن القانون السعودي أو الدستور الملكي يحتاج لمراجعةٍ، خصوصاً وقد حلّت السعودية في المرتبة الأخيرة على المستوى الخليجي في مؤشر المشاركة السياسية، وهذا ما يدلّ على انعدام دور المواطنين في  صناعة القرار وإدارة البلاد.

تهميش رأي المواطنين وخياراتهم أو بالأحرى إلغاء دورهم يحوّل السلطة في البلاد إلى سلطة ديكتاتورية، لذا فإنه من الضروري المبادرة إلى إصلاح القانون السعودي أو الدستور الملكي لما فيه من صلاحٍ للبلاد والمواطنين على حدٍ سواء، لكنّ هذه المشاركة لا تحصل فجأةً بل تمرّ بمراحل عديدة، ويضمن هذا التسلسل أن تكون مشاركة المواطنين فعّالةً ومبنيةً على أسسٍ سليمة.

وتبدأ المرحلة الأولى بالاهتمام بالشأن العام، وهنا نستحضر مقولةً قديمة لأفلاطون يقول فيها إن “الثمن الذي يدفعه الطيبون لقاء لامبالاتهم بالشؤون العامة، هو أن يحكمهم الأشرار”، ومن المقولة ننطلق لنؤكد أهمية متابعة الشأن العام ودور هذه المتابعة في تعريف المواطنين على حقوقهم وتقييم واقعهم كمواطنين، من حيث حصولهم على احتياجاتهم وحقوقهم. المرحلة الثانية تتمثّل بالانخراط السياسي، يليها القيام بنشاط سياسي، لتكون المرحلة الأخيرة هي الوعي السياسي، أي إدراك ضرورة تحمل المسؤوليات السياسية وتعاطي النشاطات السياسية وكل أشكال العمل والنضال السياسي.

تحقيق الثقافة السياسية يهيّء المواطنين والمواطنات للمشاركة السياسية الصحيحة، التي تضمن لهم اتخاذ الخيارات الأنسب لتحقيق حقوقهم وتحسين أوضاعهم وتحصيل مطالبهم، فالوعي السياسي يساعد المواطنين على الفهم العميق للمشاكل التي يشهدها المجتمع ويجعلهم قادرين على تحديد المسؤول عن حل المشكلة وكيفية حلها، كما يمنحهم القدرة على التحليل وربط الأحداث والمعطيات ببعضها البعض وتقديم النقد البنّاء.

إن المشاركة السياسية الحقيقية لا تكتمل دون مشاركة المرأة في كافة مستويات وأشكال هذه المشاركة، ولهذا فإن السعي لنيل هذا الحق يجب أن يشمل النساء في السعودية في الوقت نفسه، لا أن يتمّ تحصيل هذا الحق للرجال ثم السعي لتحصيله للنساء لاحقاً وفي مرحلةٍ ثانية، إذ من المعيب أن تكون المرأة على هامش النشاط السياسي ونحن على أبواب العام 2024.

وبالإضافة إلى أهمية احترام حق النساء في المشاركة الحرة والأكيدة، يجب أيضاً ضمان أن لا يتمّ تهميش أي شريحةٍ من المواطنين بناءً على دياناتهم أو معتقداتهم أو انتمائهم السياسي.

من المؤكد أنه دون وجود محيط ديموقراطي يحترم حق المواطنين وحرياتهم فلن يتم تأمين المشاركة السياسية للمواطنين، وستبقى آراءهم مهمّشة ومقموعة، وهذا ما يجعلنا اليوم نشهد المواطنين الطامحين لواقعٍ ومستقبلٍ أفضل، مندفعين لتشكيل قوى ضاغطة وتنظيم أنفسهم في مجموعاتٍ ترفع صوت المواطنين عالياً وتطالب بحقوقهم.

وتأخذ المشاركة السياسية أشكالاً عدة ومنها:

  • التعبير عن الرأي السياسي بشكلٍ سلمي.
  • تأسيس الأحزاب.
  • تشكيل النقابات .
  • تنظيم تظاهرات مطلبية سلمية.
  • تقلّد الوظائف الحكومية في مختلف سلطات الدولة.
  • إختيار ممثلين عن الشعب عبر الاقتراع السرّي والانتخابات النزيهة والشفافة.
  • إتاحة المجال لاستخدام وسائل الإعلام للتعبير عن الرأي.
  • رفع القيود عن حرية التعبير وتقديم النقد البناء ومناقشة الشؤون العامة.

للأسف، تبدو السعودية متأخرةً جداً عن دول العالم في ما يتعلّق باحترام حقوق الشعب بشكلٍ عام وحقه بالمشاركة السياسية واختيار ممثلين عنه بشكلٍ خاص. في جميع الأحوال إن أولى خطوات تحصيل هذا الحق هو معرفته وفهمه، ويبدو أن المواطنين في السعودية قد أدركوا حقوقهم جيداً، ودرب المطالبة بالحقوق قد بدأ منذ سنوات، ونهاية هذا الدرب لا شك أنها تحصيل الحقوق، لبناء مستقبل أفضل ينعم الجميع بالعيش الكريم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى