تقارير خاصةمقالات

إنتفاضة الكرامة الثانية 2011

ثبات.. وصبر.. وانتصار

لم يمرّ ليل السابع عشر من فبراير 2011 على المنطقة الشرقية وبالخصوص أهلنا في القطيف والاحساء كغيره من الليالي. انتفضت المنطقة التي تعرّضت لسياسة التهميش والإهمال منذ عقود، وقرّروا إطلاق صوتهم صوتاً واحداً ورفع قبضاتهم قبضةً واحدةً بوجه سلطةٍ همّشتهم وسلبتهم حقوقهم وحريّتهم لسنواتٍ طويلة.

هي المنطقة الغنية بالنفظ والغاز والموارد الطبيعية والمحرومة منها في آنٍ واحد. تعاني وأهلها من التهميش السياسي والإقصاء الوظيفي والإهمال الخدماتي والتمييز الطائفي بشكل ممنهج، ما جعل أبناء المنطقة يشعرون بأنهم منبوذون في وطنهم، حيث يُحرَمون من المشاركة السياسية ومن تقلّد الوظائف الحكومية، وتُقيّدُ شعائرهم الدينية بالكثير من القيود والتوجيهات، ويتعرّضون للمضايقات الدائمة والاعتقالات التعسفية دون مبررات قانونية.

هذا التوزيع غير المتكافئ للثروات، والسياسة التمييزية والقمعية التي تستخدمها السلطة السعودية ضد أبناء المنطقة، راكمَت داخلهم الكمَد والشعور بالظلم، لينفجر هذا القهر دفعةً واحدةً في فبراير 2011، ويشكّل هذا الانفجار نواة الانتفاضة الثانية والحراك السلمي.

المطلَب الأول للأهالي كان الإفراج عن المعتقلين المنسيين التسعة، ثم توسّعت المطالب بعد القمع العنيف الذي مارسته القوات الأمنية، لتكون أبرز المطالب:

• إطلاق سراح المنسيين والمعتقلين تعسفياً

• تحقيق العدالة وعدم التمييز بين المواطنين

• حرية التعبير والرأي والمشاركة السياسية

• رفع الاضطهاد والظلم عن الفئات المهمّشة

• إصلاح النظام السياسي وتقبّل المعارضة

• ترسيخ أهمية الاحتجاج السلمي والمظاهرات

• تحسين الوضع المعيشي وتأمين الحياة الكريمة

• إحترام الحق في تقرير المصير وبناء المستقبل

جالَت مسيرات المواطنين مختلف شوارع مدينة القطيف وبعض مناطق الأحساء، رفعَ المشاركون الشعارات التي تمثّل مطالبهم، وأوّل هذه الشعارات كان شعار: “سلميّة سلميّة مطلبنا الحريّة”، للتركيز والتأكيد على سلمية الحراك والانتفاضة، بالإضافة إلى شعاراتٍ أخرى كشعار: “إخوان سنة شيعة هذا الوطن ما نبيعه” والتي تؤكّد على وحدة أبناء الوطن ووقوفهم معاً بوجه الظالم لا بوجه بعضهم. كما ردّدوا الشعارات التي تنادي بوقف التمييز وإطلاق سراح معتقلي الرأي المظلومين: “هذا الشعب حر وعزيز.. كلا كلا للتمييز” و “نفط وبطالة .. وين العدالة؟”، وشعارات: “أحبابنا في السجون.. متى متى يرجعون” و “السجناء المنسيون ليسوا هم الإرهابيون”.

قابَلت السلطة حراك المواطنين السلمي بقمعٍ وحشيٍ وعنفٍ مفرط، وأثناء قمع المسيرات أطلقت الرصاص الكثيف على المشاركين، ما أدّى لارتقاء عددٍ كبيرٍ من الشهداء، ونفّذت القوات الأمنية عمليات الإعدام الميداني التي استهدفت عدداً من شبّان المنطقة، ليرتقوا شهداء في سبيل الحريّة والكرامة.

وشنّت قوات الأمن السعودي حملات الاعتقال التعسفي الواسعة التي طالت النساء والأطفال أيضاً، وحتى اليوم تواصل السلطات حملتها هذه، وفي السجون المئات من معتقلي الرأي المظلومين، والذين يفوق عدد المهدّدين بالإعدام منهم المئة.

حاوَلت السلطة وأدَ الانتفاضة بشتّى الطرق، انتقمَت من الشباب المنتفِض بالعنف والأسلحة والرصاص. ارتقى عددٌ من الشبّان شهداء ولم يثنِ هذا القوات الأمنية عن مواصلة النهج الذي انتهجته بتعليماتٍ من السلطات. بوحشيّةٍ وهمجيّة انقضّت على الأحياء والمنازل الآمنة وروّعت السكان والأطفال والنساء، واعتقلت دون مذكرات توقيفٍ الشبان والنساء والقصّر.

ومن الإجراءات الكيديّة التي قامت بها السلطات السعودية أيضاً:

• رصد المواطنين المتصدّين لإدارة المسيرات لتوجيه تهم الإرهاب إليهم

• تنفيذ عمليات اغتيالٍ متعمدة لشخصياتٍ فاعلة في المسيرات أو لناشطين في المجتمع

• تعذيب بعض المواطنين المعتقلين حتى الموت أثناء الاعتقال أو التحقيق

• إحتجاز أهالي المشاركين في المسيرات كرهائن للضغط على المجتمع لإيقاف الحراك السلمي

• إقامة حواجز تفتيش خانقة في مداخل ومخارج مدن المنطقة لشلّ الحركة المرورية وتعطيل مصالح المواطنين

• إستصدار بيانات من شخصياتٍ اجتماعية بالإكراه تدين الحراك السلمي وتدعو لوقفه

• القيام بعمليات عسكرية من قبل قوات الطوارئ الخاصة ضد حي العوامية لتصفية كل الشباب الذين صمدوا للدفاع عن أنفسهم

كل هذا الظلم والطغيان لم يشفِ غليل النظام السعودي، لتبدأ حملات الهدم والتجريف في الأحياء والشوارع التي انطلقت منها الانتفاضة وجالَت فيها المظاهرات. وقامت السلطات بهدم أحياء كاملة مع البيوت والمساجد والحسينيات، وهجّرت أهلها من المنطقة. وحتى اليوم هذه الحملات مستمرّة بهدف طمس معالم هذه الانتفاضة وكل آثار الحراك السلمي، والانتقام من أهالي المنطقة.

لكنّ كل هذا القمع والظلم والإمعان في الاستبداد والطغيان، لم يؤثّر على عزيمة أهالي المنطقة، بل شكّل حافزاً ودافعاً للمزيد من النضال، ودفعَ الشعبَ للإصرار على مطالبه والثبات على موقفه. وحتى اليوم هذا الإصرار وهذا الثبات يُرعِبان السلطة ويدفعانها للتمادي في ديكتاتوريتها، لكنّ هذا التخبّط الناجم عن الخوف والرعب، هو أكبر دليلِ على اقتراب نهاية هذا الحكم المستبدّ. وكلّ من يحكم الناس بالظلم والاضطهاد ويستأثر بالسلطة دون حقٍ، مصيرهُ الزوال.

إنتفاضة الكرامة الثانية 2011.. ثبات.. وصبر.. وانتصار.

ثباتٌ على نهج النضال حتى نيل الحرية والحقوق.

صبرٌ على الظلم والاضطهاد في سبيل حريتنا وكرامتنا.

انتصارٌ قريبٌ بهمّة المناضلين الثابتين الصابرين.

ونحنُ في لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان سنُكمِل مسير الشهداء الذين ارتقوا والمعتقلين الصامدين في السجون وجميع الأحرار الذين تعرّضوا للقمع والظلم، حتّى تحقيق جميع المطالب ونيل الحريّة والحقوق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى