مقالات

ذكرى مجزرة أبريل 2019: لن تُفلِت الحكومة السعودية من العقاب

في هرم الاحتياجات البشرية الشهير، المعروف باسم هرم “ماسلو” نسبةً للعالِم أبراهم ماسلو، تُختَصرُ احتياجات الإنسان الأساسية المطلوبة ليبقى على قيد الحياة ويستمرّ. في المرتبة الثانية من مراتب الهرم، وبعد الحاجات الفسيولوجية والبيولوجية الضرورية بشكلٍ بديهي، تأتي “الحاجة للأمان” مباشرةً، وحاجة الإنسان للأمان حاجة فطرية تولَد معه. فماذا لو تهدّد هذا الأمان؟

في مثل هذا اليوم منذ خمس سنوات، أنهَت السلطات السعودية حياة 37 إنساناً دفعةً واحدة، لترتكب بهذا مجزرةً دمويّة وحشيّة، وتؤكّد بجريمتها هذه حرمان المواطنين في السعودية من حقهم في الأمان والحياة.

ضمن هؤلاء الـ37 كان هناك 33 معتقل رأي، معظمهم من القطيف والأحساء وبعضهم من المدينة المنوّرة ومكة المكرّمة. ومن بين الشهداء ستة قاصرين هم: سعيد محمد السكافي، وسلمان أمين آل قريش، ومجتبى نادر السويكت، وعبد الله سلمان آل سريح، وعبد العزيز حسين سهوي، وعبدالكريم محمد الحواج. ومن ضمن الشهداء أيضاً شابٌ من ذوي الاحتياجات الخاصة، وعلماء دين أبرزهم الشيخ الشهيد محمد عبدالغني العطية، وهو ثاني عالم دين تعدمه السعودية بعد الشيخ الشهيد نمر باقر النمر.

كل الإجراءات غير قانونية منذ اللحظة الأولى

إن اعتقال هؤلاء الشهداء الـ33 هو اعتقالٌ تعسفيٌ بالأصل، فلم يكن هناك أي مبررٍ قانوني واضح لاعتقالهم منذ لحظة احتجازهم، وقد تم اعتقال عدد منهم دون مذكرات توقيف أيضاً. إن اعتقالهم ليس إلا إجراءً كيدياً انتقامياً، في محاولة لإسكات أصواتهم ومحاسبتهم على آرائهم التي عبّروا عنها بسلمية.

بعد الاعتقال قبعَ عددٌ كبيرٌ منهم في السجن لفترة طويلة قبل أن تتم محاكمتهم، وخلال فترة التحقيق تعرّضوا للتعذيب الوحشي والمعاملة اللاإنسانية والمهينة، وأُجبِروا على توقيع اعترافاتٍ كاذبة بالإكراه.

وقد حُرِموا من حقهم بالدفاع عن أنفسهم مباشرةً أو عبر توكيل محامٍ. فبالإضافة إلى حرمانهم من وجود من يدافع عنهم بشكلٍ قانوني، تجاهل القاضي تراجع العديد منهم عن أقواله في المحكمة وتأكيدهم أن هذه الأقوال انتُزِعت منهم بالإكراه، ولم يحاول القاضي التأكد من صحة المعلومات أو إعادة النظر في الاعترافات والتحقيق من طريقة الاستحصال عليها.

القاصر الشهيد سلمان قريش على سبيل المثال اشتكى للقاضي أن الاعترافات المدوّنة قد كتبها بيده بإملاءٍ من المحقّق، وبصم عليها بعد التعذيب، لكنّ القاضي تجاهل أقواله. وكان سلمان قد أُدخِل المستشفى أربع مرّات متأثراً بالتعذيب الوحشي، وقضى في إحدى المرات شهراً داخل المستشفى.

الشهيد مصطفى أحمد درويش أيضاً قال في دفاعه عن نفسه إنه تعرّض للتعذيب الجسدي والنفسي، وتم انتزاع الاعترافات منه بالإكراه، ولم يكن برفقته محامٍ أثناء التحقيق، وقال إن المحقق قام بحبسه أكثر من مرة في الإنفرادي لعدة شهور، وأيضاً تمّ تجاهل أقواله.

إن كل الإجراءات الحاصلة منذ احتجاز الشهداء حتى محاكمتهم هي إجراءات تتنافى مع حق الإنسان في الأمان، كما تُشكّل سلسلة انتهاكاتٍ واسعة لجملةٍ من حقوق الإنسان.

الإعدام: الانتهاك الأكثر وحشية

منذ لحظة صدور أحكام الإعدام بحق المعتقلين، وأهاليهم والمنظمات الحقوقية في حالة ذهول، إذ لا تستدعي التهم الموجّهة إليهم هذا الحكم القاسي أبداً. لكنّ القضاء السعودي، وبإشارةٍ من السلطة، يُلبِس أحكامه ثوب الشرعيّة عبر القوانين الغامضة والفضفاضة، كقانون مكافحة الإرهاب وجرائمه، والذي تُجرّم السعودية معتقلي الرأي على أساسه.

بحسب بيانات وزارة الداخلية والتي تصدرعقب تنفيذ الإعدام، فإن التهم المزعومة الموجّهة إلى معتقلي الرأي هي تشكيل خلايا إرهابية والإخلال بالأمن العام وإشاعة الفوضى وغيرها، ولكنّ الحقيقة هي أن اعتقالهم والحكم عليهم بالإعدام جاء على خلفية مشاركتهم في التظاهرات السلمية بين العامين 2011 و2012، أو نتيجة التعبير السلمي عن آرائهم ومطالبهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل.

إن ظروف المحاكمات، وطبيعة القضاء السعودي المسيّس، تجعل الأحكام الصادرة أحكاماً تعسفيّة كيديّة تفتقر للنزاهة والعدالة، لا سيّما إذا كانت الأحكام خطيرة وقاسية كحكم الإعدام.

لقد صدرت أحكام الإعدام بعد محاكماتٍ جائرةٍ تفتقر لأدنى مقوّمات العدالة. هذه المحاكمات حصلت بشكلٍ سرّي ودون إبلاغ أهالي المعتقلين أو حتى المعتقلين في بعض الأحيان، أو يتم إبلاغهم قبل يومٍ واحدٍ. كما مُنِعوا من توكيل محامٍ أو تقديم أي دفاعٍ عن أنفسهم.

نفّذت السعودية مجزرة الإعدام الجماعي بشكلٍ فجائي دون إبلاغ الأهالي أو إعطائهم فرصة لتوديع أبنائهم، وقد تلقّت بعض العوائل خبر الإعدام من الإعلام بصدمةٍ كبيرة.

حتى اليوم تواصل السلطات السعودية احتجاز جثامين الشهداء وترفض تسليمها للأهالي، ليُضاف هذا الإجراء إلى سلسلة الانتهاكات الحقوقية التي ترتكبها السعودية.

لقد أحدثت المجزرة صدمةً عالمية واستدعت سلسلة من بيانات الاستنكار والتنديد التي وُجِّهَت للسعودية، لكن كل هذه البيانات لم تثنِ السعودية عن مواصلة إجرامها، لترتكب عام 2022 أبشع مجزرة إعدام جماعية في تاريخ البلاد، بإعدامها 81 إنساناً دفعةً واحدة.

أبرز المواد القانونية المُنتَهكة

أبرز النصوص القانونية التي انتهكتها السعودية بارتكابها المجزرة:

المواد 5، 6، و8 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، والذي انضمّت إليه السعودية عام 2009 وتنصّ هذا المواد على:

  • الحق في الحياة حق ملازم لكل شخص. ويحمي القانون هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً.
  • لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام إلا في الجنايات بالغة الخطورة وفقاً للتشريعات النافذة وقت ارتكاب الجريمة وبمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة، ولكل محكوم عليه بعقوبة الإعدام الحق في طلب العفو أو استبدالها بعقوبة أخف.
  • يحظر تعذيب أي شخص بدنياً أو نفسياً أو معاملته معاملة قاسية أو مهينة أو حاطة بالكرامة أو غير إنسانية. وتحمي كل دولة طرف كل شخص خاضع لولايتها من هذه الممارسات، وتتخذ التدابير الفعالة لمنع ذلك وتعد ممارسة هذه التصرفات أو الإسهام فيها جريمة يعاقب عليها لا تسقط بالتقادم.

وبحسب الاتفاقية يجب أن تضمن كل دولة من الدول الأطراف في نظامها القانوني إنصاف من يتعرض للتعذيب، وتمتّعه بحق رد الاعتبار والتعويض.

كما انتهكت السعودية اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أوالعقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والتي انضمت إليها عام 1997.

وانتهكت السعودية أيضاً اتفاقية حقوق الطفل التي انضمّت إليها عام 1996، وتحديداً:

  • المادة 37 من الاتفاقية التي تنصّ حرفياً على أنه “يجب عدم تعريض الأطفال المتهمين بانتهاك القانون لعقوبة القتل أو التعذيب أو المعاملة القاسية أو السجن مدى الحياة أو وضعهم في السجن مع أشخاص بالغين”.
  • المواد 12، 13، 14 و15 و التي تنصّ المواد على حق القاصر بالتعبير عن رأيه ومشاعره في القضايا التي تؤثر عليه، بالإضافة إلى حقه بتبادل الافكار والآراء والمشاعر، كما حقه بالانضمام إلى الجماعات أو المنظمات التي يميل إليها.

وبإعدامها عدداً من القاصرين، تكون السعودية قد خالفت النظام المحلّي أيضاً، وتحديداً المادتان 7 و11 من نظام الأحداث واللتان تنصّان على عدم جواز إيقاف الحدث (أي القاصر)، وفي حال الضرورة لا يتم التحقيق معه إلا بحضور ولي أمره أو حضور محامٍ عنه.

وينصّ نظام الأحداث السعودي أيضاً على أنه “إذا كان الحدث ما بين الـ15 والـ18 من العمر، مرتكباً لجريمة يعاقب عليها بالقتل، فيكتفى بإيداعه في دار مخصصة للأحداث مدة لا تتجاوز عشر سنوات”.

شهداء مجزرة الإعدام في أبريل 2019

1-أحمد حسن آل ربيع ـ القطيف

2-أحمد حسين العرادي ـ القطيف

3-أحمد فيصل آل درويش ـ القطيف

4-جابر زهير المرهون ـ القطيف

5-حسين حسن آل ربيع ـ القطيف

6-حسين علي الحميدي ـ سيهات

7-حسين قاسم العبود ـ الأحساء

8-حسين محمد آل مسلم ـ القطيف

9-حيدر محمد آل ليف ـ القطيف

10-سالم عبدالله الحربي ـ المدينة المنوّرة

11-سعيد محمد السكافي ـ القطيف

12-سلمان أمين آل قريش ـ القطيف

13-طالب مسلم الحربي ـ المدينة المنوّرة

14-طاهر مسلم الحربي ـ المدينة المنوّرة

15-عباس حجي الحسن ـ الأحساء

16-عبدالعزيز حسن آل سهوي ـ القطيف

17-عبدالكريم محمد الحواج ـ القطيف

18-عبدالله سلمان آل سريح ـ القطيف

19-عبدالله عادل العوجان ـ القطيف

20-عبدالله هاني آل طريف ـ القطيف

21-علي حسين العاشور ـ الأحساء

22-علي حسين المهناء ـ الأحساء

23-فاضل حسن لباد ـ القطيف

24-مجتبى السويكت ـ القطيف

25-محمد حسين العاشور ـ الأحساء

26-محمد سعيد آل خاتم ـ القطيف

27-الشيخ محمد عبدالغني آل عطية ـ سيهات

28-محمد منصور آل ناصر ـ القطيف

29-مصطفى أحمد درويش ـ القطيف

30-منتظر علي السبيتي ـ العوامية

31-منير عبدالله آدم ـ القطيف

32-هادي يوسف آل هزيم ـ القطيف

33- يوسف عبدالله العمري الحربي ـ المدينة المنوّرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى