مقالات

ليسوا أرقاماً.. هكذا أنهَت السعودية حياة معتقلي الرأي وسلبتهم أحلامهم

ربما لكثرة ما ارتبطت أسماؤهم بالأرقام والمواد القانونية والتقارير الصحافية والبيانات والمنشورات، ربما باتوا بالنسبة للكثيرين أرقاماً ليس إلا.

“مئة مهددٍ بالإعدام، أكثر من عشرة قاصرين، ما لا يقل عن سبعين امرأة، عشرات معتقلي الرأي….”

إرتبطت قضاياهم بالأرقام، ونسيَ البعض أنهم أرواحٌ لها قدسيّتها، قدسيّة لا يجوز المسّ بها.

معتقلو الرأي في السجون السعودية هم أشخاص كان لهم حياة وطموحات وأحلام، واليوم يعيشون على ذكريات حياتهم تلك وعلى أمل استرجاع حريّتهم.

معتقلو الرأي في السجون السعودية ليسوا أرقاماً.

كان للشبّان منهم أحلامٌ أرادوا تحقيقها، كانوا قد اختاروا تخصصاتهم الجامعية ومهنتهم المستقبلية قبل أن تقتل السلطات السعودية أحلامهم.

علماء الدين كانوا يحملون همّ الأمة والمجتمع في قلوبهم، يسعون دائماً لأن يكونوا مع الناس وللناس، أرادوا أن يكون صوتهم صوت الحق والدعوة للصلاح والإصلاح، فكتمت السلطات السعودية صوتهم.

الجامعيون وضعوا نصب أعينهم هدفهم الأسمى وهو تثقيف أبناء وبنات الوطن، ونشر العلم والمعرفة بين الجميع، واستغلال هذا العلم لتطوير الوطن وتحسين واقع المواطن، فأطفأت السلطات السعودية الأمل المشرق في أعينهم.

الناشطات كنّ يردن وطناً أفضل للجميع، نساءً ورجالاً، أردن أن يكون لهنّ دورٌ في نهضة المجتمع وتطوّر الوطن، وأردن أن يثبتن للعالم أن المرأة القوية قادرة على تغيير وطنها نحو الأفضل، ولكنّ السلطات السعودية تريد للنساء الحرية التي تختارها هي لهنّ، وليس الحرية الحقيقية.

القاصرون أدركوا باكراً أن الكرامة والحرية هما عاملان أساسيان لكي يحيا المرء عزيزاً كريماً في بلاده، وأرادوا هذه الحرية وهذه الكرامة، ولكن السلطات السعودية تخشى حتى الأصوات التي لم تبلغ الحلم بعد.

قاصرون وشبان ورجال وعلماء دين ونساء، من كافة الأعمار والأطياف والانتماءات، أرادت السلطات السعودية إسكاتهم والانتقام منهم، فكان مصيرهم أن يصبحوا ضمن عداد معتقلي ومعتقلات الرأي.

خلف قضبان السجون المعتمة، ذاقوا الويل، تعرّضوا لأبشع أنواع التعذيب، مارسَ السجّان عليهم أقذر أساليب الترهيب النفسية، وحُرِموا من أدنى حقوقهم.

في قاعات المحكمة تجاهل القاضي أقوالهم، على الرغم من معرفته حق المعرفة أن كل الاعترافات التي يحملها بين يديه هي اعترافاتٌ مفبركة انتُزِعَت منهم بالإكراه تحت العذيب. أصدَر بحقهم أحكاماً جائرة أثناء محاكماتٍ لا تمتّ للعدالة بصلة.

يقضون أيامهم ولياليهم مقهورين مظلومين، لا ينالون من حقوقهم إلا الفتات، حُرِموا كل شيءٍ حتى ضوء الشمس.

حُرِم الأب منهم من أولاده والأم من أولادها، حُرِم الإبن من أهله والبنت من أهلها، حُرِمَ الأزواج من بعضهم، حُرِم الإخوة والأخوات من بعضهم، حُرِمَت الأُسَر من اجتماع أفرادها ببهجة، حُرِمَت قرىً وبلدات من العشرات من شبانها.

معتقلو ومعتقلات الرأي كانوا يوماً خارج قضبان السجن، مثلنا جميعاً، يضحكون ويحلمون ويعملون ويخططون لحياةٍ مشرقة، ثم أنهَت السلطات السعودية حياتهم بلحظة. سلبتهم حريتهم، كتمت ضحكاتهم وقتلت أحلامهم وخرّبت عملهم وأفشلَت خططهم.

ليصبحوا اليوم قصصاً نرويها، وما زالت السلطات السعودية تخشى أن يسمع أحد هذه القصص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى