تقارير المنظمات

مخدرات واغتصاب وتحرش .. هذا ما يحدث في دولة التسامح 

يقع سجن الوثبة شرق صحراء العاصمة الإماراتية أبوظبي القاحلة بنحو 40 كيلو متراً، جنوبي البلاد، وهو أحد أكبر سجون الإمارات وأسوأها سمعة.

السجن مترامي الأطراف افتتح رسمياً عام 1982، وقد تم تأسيسه كمركز لاحتجاز المجرمين بخلفيات جنائية، مثل تجار المخدرات واللصوص.

ولكن نتيجة لاكتظاظ السجون وعدم اتساعها لهم، أصبح الوثبة يضم كل أنواع السجناء سواء كانوا سياسيين أو حتى محتجزين لأسباب بسيطة مثل مخالفات السير.

ويقول تقرير لـ”مركز مناصرة معتقلي الإمارات” إنه حسب صحيفة “الاتحاد” الإماراتية فإن الطاقة الاستعابية لسجن الوثبة في قسم الرجال تصل إلى 2400 سجين. لكن عدد السجناء الفعلي يتجاوز الـ4000.

أما الطاقة الاستعابية لقسم النساء فتبلغ 200 فتاة، لكن عدد السجينات الفعلي يصل إلى 500.

وهو ما حوّل السجن إلى مكرهة صحية حتى الحيوانات لا تستطيع العيش فيها.

إدارة السجن:

ولفت التقرير إلى أنه في الدول الديمقراطية التي تحترم حقوق الإنسان وتفصل بين السلطات، تكون إدارة السجون خاضعة لهيئة مدنية تابعة للحكومة.

أما في الأنظمة القمعية مثل الإمارات، فإن إدارة السجون تكون تابعة لسلطة عسكرية أو لوزارة الداخلية. ويقوم بإدارة هذه السجون ضباط شرطة وعسكريون من رتب مختلفة.

في الإمارات تخضع إدارة السجون لاختصاص وزارة الداخلية، ويديرها ضباط من الشرطة تحت إشراف النيابة العامة. وذلك وفقاً لما تنص عليه المادة 4 من قانون تنظيم المنشآت العقابية.

وحسب ما قال بعض المعتقلين لـ”مركز المناصرة” إنهم عندما حاولوا الحديث مع وكيل النيابة من أجل تقديم شكوى حول الطعام. رد عليهم قائلاً: “أنا لست هنا للاستماع لمشاكلكم. أنا جئت للتأكد من عدد السجناء فقط”.

الرائد إبراهيم الحمادي وإجراءات مذلة:

المدير الفعلي لسجن الوثبة، هو مدير الأمن في السجن الرائد إبراهيم الحمادي. وقد ذكر عدد كبير من المعتقلين اسمه في سياق الحديث عن المعاملة القاسية والانتهاكات غير الإنسانية.

بعد أخذ بصمة العين من السجين، وعند بدء نقل المعتقلين إلى داخله، تتم تعرية النزيل بشكل كامل، حيث يقوم عامل نيبالي بتفتيشهم بطريقة مذلة، تشمل حتى الأماكن الحساسة.

وقد تمّ توثيق العديد من الحالات التي تم تفتيش السجين فيها بشكل مهين ينافي احترام جسد الإنسان.

وإن اعترضَ أحد السجناء على التعرية، يقوم العسكر بتقييده، وتعريته رغماً عنه، وبعد ذلك يتم نقله إلى الزنازين الانفرادية العقابية.

بعد خضوع السجين للتفتيش يوضع في غرفة استقبال مؤقتة تسمى (ترانزيت)، وهي غرفة صغيرة مساحتها 4 أمتار عرضاً و8 طولاً يقضي فيها السجين يومه الأول، ريثما ينقل للعنبر المخصص له.

وإذا صادف دخوله السجن يوم إجازة آخر الأسبوع، أو يوم إجازة آخر، فإن السجين يبقى داخل الغرفة حتى يوم العمل.

وحسب ما وثق “مركز مناصرة معتقلي الإمارات”، فإن عدد السجناء داخل الغرفة قد يصل في بعض الأحيان إلى 140 شخصاً، ولا يوجد فيها سوى حمام واحد ومغسلة.

والحمام لا ينظّف أبداً، بل تجتمع فيه الفضلات، وماء الحمام الذي يغسل الفضلات لا يعمل. ولأن السجين عند دخوله تؤخذ منه كل أغراضه، فيدخل حافياً إلى هذه الغرفة وبالتالي إلى الحمام -إن احتاجه- رغم كل القذراة المنتشرة فيه.

تقوم إدارة السجن بوضع المعتقلين لأسباب سياسية مثل معتقلي الرأي بالعنابر المخصصة للسجن الانفرادي وعزلهم عن البقية. وعنبر الأمنيين الأول هو عنبر B9، والثاني B6.

حسب روايات المعتقلين، فإن جميع العنابر مكتظة بشكل غير إنساني، وقد ذكر بعض المعتقلين لـ”مركز مناصرة معتقلي الإمارات”، أن السجناء في عنابر المخدرات ينامون في الممرات.

كما أن كثيراً من الغرف في العنابر الأخرى لا تتوفر فيها أسرة للنوم.

أوضاع غير آدمية:

كما وثق “مركز مناصرة معتقلي الإمارات” عبر العديد من شهادات المعتقلين السابقين، وضعَ عنابر السجن.

وفي أحد الاعترافات الحكومية النادرة حول هذا الوضع، نقلت صحيفة الاتحاد الحكومية عن سجين لبناني الجنسية، حكم عليه بالحبس لـ10 سنوات بتهمة تعاطي الهيروين قوله: إن ”المعاملة سيئة” داخل العنابر.

وقال إنّه نام لـ3 أيام متواصلة بدون وسادة.

وأضاف “أنه لا يطيق البقاء في الغرفة”، في إشارة إلى الوضع السيء في العنابر.

وحسب ما نقل بعض المعتقلين، فإن أكثر من 20 شخصاً يستخدمون نفس المرحاض، وفي معظم الأوقات وخاصة أيام الجمعة تكون المياه مقطوعة.

لا مطبخ في العنابر، بل مناطق مشتركة لكل 300 سجين، تُستخدم لتناول الطعام، ولا يوجد فيها سوى حاويتيْن للقمامة يستخدمهما الجميع، وهو ما يجعل المكان متسخاً جداً، والقمامة ملقاة على الأرض.

حراس سجن الوثبة:

اشتكى العديد من المعتقلين من معاملة مسؤولي السجن وحراسه، حيث ذكر بعضهم أنهم يقومون بعقاب السجناء بشكل جماعي لأي خطأ.

أحد المعتقلين ذكر لـ”مركز مناصرة معتقلي الإمارات”، أن الرائد الحمادي، قام بمنع السجناء في أحد العنابر من استخدام الهواتف والمكتبة والمقصف لأسبوع كامل بسبب مشاهدته مياهً على الأرض.

حسب ما يقول المعتقلون، فإن أغلب مسؤولي السجن غير متعلمين ولا يعرفون سوى اللغة العربية، ويقومون بمعاملة السجناء بشكل سيء. وعندما يشتكي السجناء من سوء الطعام، وتواجد الحشرات فيه، يأتي الرد بأن هذه من “مميزات الطعام”.

مسؤولو السجن يرفضون الاستماع إلى أي شكوى، وعندما يريد السجين تقديم طلب أو شكوى يجب أن يكتب رسالة لإدارة السجن. حيث يتم تجميع الرسائل في صندوق كبير، وغالباً تُرمى في القمامة دون رد.

وحسب ما ذكر العديد من المعتقلين للمركز، فإن الرعاية الصحية داخل السجن سيئة، وأن الذهاب للعيادة صعب ونادر.

جميع الحالات التي تواصل معها المركز، أشارت إلى وجود إهمال طبي متعمد، حيث يكتفي الطبيب والممرضون بصرف مسكنات مثل (الباندول) للمعتقلين بدون متابعة حالاتهم.

نتيجة للوضع القذر داخل المعابر، وعدم نظافة المياه، تنتشر الكثير من الأمراض بين السجناء، أبرزها حسب ما رصد المركز، حساسية جلدية، حصى في الكلى، تسوس في الأسنان.

سجينة تصرخ من الألم:

إحدى السجينات التي وثق المركز حالتها، كانت تصرخ من الألم، وعندما طلبت الطبيب، بدأ الحراس بالضحك بدلاً من جلب الممرضة.

المركز وثّق كذلك عددا كبيرا من حالات الإهمال الطبي التي أدت إلى وفاة السجين، أو تفاقم المرض لديه نتيجة عدم توفر الرعاية الصحية.

مخدرات ورشاوى:

ذكر العديد من المعتقلين أن الفساد مستفحل داخل سجن الوثبة، ففي الوقت الذي لا يمكن للسجين الحصول على نسخة من القرآن الكريم، فإنه يستطيع الحصول على مخدرات وهواتف مقابل دفع الأموال.

بالنسبة للهواتف، فإن الضباط يقومون بإدخالها للسجين م.ح مقابل 20 ألف درهم أي نحو 5600 دولاراً للهاتف الواحد.

أما المخدرات فيتم بيعها عن طريق السجناء القدامى والمحكومين بجرائم خطيرة مثل القتل والاغتصاب.

وقد ذكر العديد من المعتقلين أن إدخال المخدرات يتم عن طريق الحراس، بل إن بعض الحبوب المخدرة يتم جلبها من العيادة.

“المركز” وثق العديد من الحالات التي توفيت داخل السجن بسبب المخدرات، ففي 2018 مثلاً، توفي سجين نيجيري بعد جرعة زائدة، ورغم ذلك فإن إدارة السجن لم تفتح تحقيقاً في سبب الوفاة.

وفي 2019 توفي سجين إماراتي كان يتعاطى المخدرات مع اثنين آخرين، واكتفت الإدارة بنقلهما إلى سجن الرزين ثم إعادتهما لاحقاً.

سجن النساء:

الانتهاكات داخل سجن النساء في الوثبة قصة أخرى، فالانتهاكات لا تتوقف على انقطاع المياه أو توقف أجهزة التكييف لساعات طويلة، بل تشمل الضرب والتحرش.

وقد دفعت ظروف الاحتجاز الرهيبة داخل سجن النساء في الوثبة، العديد من المعتقلات إلى الإضراب عن الطعام بل وأحياناً محاولة الانتحار.

في 2018، تم تسريب تسجيل صوتي لأمينة العبدولي، وهي إحدى معتقلات الرأي، تحدثت فيه عن تعرضها للضرب من قبل حارسات مغربيات ونيباليات.

وقالت أمينة في التسجيل إنه تم إجبارها على الوقوف مقيدة اليدين والرجلين ومعصوبة العينين لساعات طويلة.

وقد أدى التعذيب الشديد وعدم توفير العلاج اللازم لها إلى تضرر إحدى عينيها، حيث فقدت البصر بشكل شبه كامل فيها.

في سجن النساء، لا توجد مساحة للتنفس، ولا مكان لممارسة الرياضة، والنوافذ لا تسمح بدخول ضوء الشمس إلى غرف المبيت.

كما هو الحال في سجن الرجال، فإن المياه وأجهزة التكييف تنقطع باستمرار، ولا تتوفر أي مياه صالحة للشرب.

لا يوجد اتصال مجاني بأسر السجينات. إذ يجب على كل سجينة شراء وشحن بطاقة اتصال لمحادثة أسرتها. وفي حال عدم امتلاكها للمال وقيامها بطلب المساعدة من زميلة لها، فإن إدارة السجن تعاقب من تساعدها بقطع الاتصال عنها لمدة طويلة، والوضع مشابه في قسم الرجال.

حتى الزيارات في السجن، والتي تتم من خلف حاجز زجاجي، فإنها تتم بمقابل مادي.

محاولات انتحار:

شهد سجن الوثبة عدة محاولات انتحار نتيجة وضعه الإنساني الفظيع، وكان منها محاولتان في عام 2017. إحداهما لمعتقلة من جنسية عربية قامت بإلقاء نفسها من الطابق العلوي ولكنها أصيبت بكسور.

فيما قامت سجينة صينية بعدها بأسابيع وتحديداً في 15 مايو 2017، بشنق نفسها أمام احدى كاميرات المراقبة الخاصة بإدارة السجن.

تقوم حارسات الوثبة من الجنسيات الأجنبية بالاستيلاء على ما يوفره الهلال الأحمر من ملابس وأحذية للسجينات.

في العديد من الحالات قامت الحارسات بعقاب المعتقلات عن طريق تقييد اليدين والرجلين، وإهانتهن لفظياً من خلال إخبارهن أنهن يقيدنهن مثل الحيوانات.

اغتصاب داخل سجن الوثبة:

تعد الزنازين الانفرادية من أسوأ الأماكن في سجن الوثبة، حيث يعاقَب المعتقل بالنقل إليها، إن اشتبكَ مع معتقلٍ آخر، أو عارضَ التعري عند التفتيش، أو طلبَ إعادة أغراضٍ له غير ممنوعة بعد تفتيش العنبر. وغير ذلك من أمور لا تستحق العقاب.

وهذه العنابر تجمَع أسوأ أنواع المعتقلين من مغتصبين وقتلة ومدمني المخدِّرات. ويتقصّد الحراس وخاصةً الرائد إبراهيم الحمادي (أبو عمر) بنقل المعتقلين الأمنيين إليها. بل ويقوم بتحريض السجناء الجنائيين ضد الأمنيين.

وتكثر في هذه العنابر حوادث الاغتصاب، ويعرف بها مسؤولو السجن وتحديداً الحمادي ولا يتّخذون أي إجراء. بل إنه في الشهر الثاني من 2018، تم نقل المعتقل أ. تونسيّ الجنسية من عنبر المخدِّرات إلى عنبر 12.

وقام السجناء الجنائيون هناك باغتصابه ليال متتالية حتى استطاعَ الإفلات منهم، والخروج عند إدخال الطعام إلى العنبر.

بينما لم يقم الحمادي بفتح تحقيقٍ في المسألة، بل وعيّر السجين بالاغتصاب قائلاً له: “وين رجولتَك في هذا المكان راحت؟!”. واضطر المعتقل أن يتنازل عن قضيّته بعد أن هدده السجناء الآخرون.

ضرورة إرسال لجنة طبية خاصة:

واختتم المركز تقريره بالإشارة إلى أن الوضع غير الإنساني داخل الوثبة يشمل كل شيء، ابتداء من الزنازين. حيث يتم وضع 20 شخصاً بطريقة غير إنسانية في غرفة لا تتسع لأكثر من 10، وليس انتهاء بحرمانهم من أبسط حقوقهم مثل الماء ومواد الغذاء الأساسية.

وفي ضوء الأوضاع السيئة للغاية داخل سجن الوثبة، فقد طالب “مركز مناصرة معتقلي الإمارات” بضرورة السماح لمراقبين دوليين مستقلين بدخول البلاد وزيارة السجون لمعاينة الوضع غير الإنساني فيها.

كما طالب المركز بتوفير الرعاية الصحية اللائقة للمعتقلين بما يتوافق مع معايير منظمة الصحة العالمية، وبما يتماشى مع القواعد الدنيا لمعاملة المعتقلين. مع التأكيد على ضرورة إرسال لجنة طبية خاصة بمنظمة الصحة العالمية للإشراف على مثل هذا الأمر.

كما شملت مطالبات المركز وضع إدراة السجن تحت سلطة وزارة العدل بدلاً من الداخلية، وتكليف إدارة مدنية لقيادة السجن. حيث أثبتت الوقائع أن أغلب الانتهاكات يقوم بها ضباط من الشرطة أو عسكريون مكلفون بحراسة السجن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى