تقارير خاصةمقالات

بعد القمع والتهميش لعقود.. القطيف تواجه التهجير القسري

لو قُدّر يوماً لأزقّة القطيف وشوراعها أن تنطق لحكَت الكثير الكثير، وقالت ما تسعى العائلة الحاكمة لإسكاته وإخفائه منذ عقود.
هذه الأزقة والشوارع شهدت كل محاولات السلطات السعودية لتغيير المنطقة وطمس هويتها الحقيقية، بدءًا من تغيير إسم المنطقة من اسمها الأصلي أي “القطيف والأحساء” واستبدالها باسم “المنطقة الشرقية”، وصولاً إلى تهجير أهلها وسكانها الأصليين منها وإقصائهم عنها نحو مناطق أخرى متفرقة.
عانَت القطيف من الإهمال والتهميش لعقود طويلة، بالإضافة إلى التضييق على الأهالي واستهدافهم، فكانوا محرومين من الوظائف الحكومية التي ملأها أبناء مناطق أخرى وفق إملاءات الحكومة، وكان تمددهم العمراني مقيداً من قبل السلطات فمُنعوا من تشييد مبنى من أكثر من 3 طوابق أو إعمار المساحات البيضاء غير المأهولة بحجّة مشاريع حكومية وغيرها.
بين عامَي 2011 و2012، وبعد اندلاع الحراك السلمي في القطيف، كشفت الحكومة السعودية وجهها الغليظ الحقيقي قامعةً التظاهرات السلمية بوحشية، اعتقلت عشرات الشبان تعسفياً، وما زالت حتى اليوم تعتقل شبان المنطقة على خلفية التظاهرات مصدرةً ومنفّذةً أحكام الإعدام الدموية بحقهم، بعد أن افتتحت سلسلة الإعدامات بإعدام قائد الحراك السلمي الشيخ نمر باقر النمر عام 2016.
منذ عام 2017 بدأت الحكومة خطة التهجير القسري في القطيف، وعرّضت عشرات الأحياء وآلاف المنازل للهدم والتجريف وكانت البداية في حي المسوّرة الذي راح فيه ضحيّة الهجوم الوحشي 33 مواطناً بينهم طفلان.
حوصِر الحي الذي بُنيَ منذ أكثر من 400 عام لمئة يوم، قُطِعَت الكهرباء عن سكانه البالغ عددهم 30 ألف شخص ومنعت الحكومة دخول أية مساعدات للحي، بهدف الضغط على السكان لإخلاء منازلهم، وفي أيار/مايو هُدِم الحي، وهُدِمَت معه عشرات المباني الأثرية التراثية إلى الأبد.
عام 2018 باشرت أمانة المنطقة الشرقية نزع ملكية مئات العقارات، وفي تشرين الأول/أكتوبر من عام 2022 بدأت عمليات التجريف في 14 حياً تقع على امتداد شارع الثورة.
ما لا يقل عن 984 عقاراً في القطيف تقع ضمن شارع الثورة استهدفها التجريف، بالإضافة إلى 28 معلماً أثرياً ومساجدَ ومبانٍ دينية. يُعدّ الشارع مهداً للانتفاضة عام 2011 وشاهداً على الحراك السلمي حينها، وهذا ما يشكّل سبباً إضافياً يدفع الحكومة للتخلص منه لمحو كل آثار الحراك ومنع تحوّل الشارع إلى رمز ومركز انطلاق للمزيد من التظاهرات.
هذا واستهدف التجريف بلدة الأوجام في القطيف التي هُدّم فيها ضمن منطقتين 119 عقاراً في المنطقة الأولى و32 عقاراً في الثانية، وفي بلدة أم الحمام استهدف التجريف 17 عقاراً، كما باشرت أمانة الشرقية نزع ملكية 236 عقاراً في بلدة صفوى. وقد طال التجريف أحياء في بلدات أخرى منها البحاري والجشّ. أما في الأحساء الشرقية، فقد هدمت الحكومة 750 عقاراً.
اليوم، رحل الآلاف عن بيوتهم وأرضهم دون وداع. أُبعِدوا عنها ولم يختاروا البُعدَ ولم يريدوه يوماً..
اليوم هُدِمت أسقفٌ وشوارع وأزقة لو قُدّر لها أن تحكي، لحكَت الكثير الكثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى