تقارير خاصةمقالات

معتقلو الرأي في السعودية.. محطات ومراحل: الموت في السجن بسبب الإهمال

في سياق قضايا الموت في السجون السعودية، والتي تزايدت خلال السنوات الأخيرة، لا يبدو أن سلطات النظام في صدد فتح أي تحقيقٍ لتبيان المسؤوليات ومحاسبة المقصّرين والمتورطين، ما يعتبر تشجيعاً على سياسة الإفلات من العقاب.

يعاني المواطنون في السعودية من حكم نظامٍ ديكتاتوري، يقمع بوحشية عبر أذرعه الأمنية وعيونه الإلكترونية كل من يخالفه الرأي.

فكيف يستهدف هذا النظام البوليسي المواطنين؟ وما هي المراحل التي يمرّ بها معتقلو الرأي؟

المرحلة الثامنة من “مراحل الاعتقال”، السلسلة التي أطلقتها لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان.

لقد خرق النظام السعودي خرقاً فاضحاً قواعد ﺍﻷﻣﻢ ﺍلمتّحدة ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺟﻴﺔ ﺍلدنيا الخاصة بمعاملة السجناء، أي قواعد “نيلسون مانديلا”.

إن تراكم القضايا وتكرار استخدام المبررات نفسها، في حالات الموت تحت التعذيب أو بسبب سوء المعاملة أو نتيجة الاهمال الطبي والحرمان من العلاج، يبيّن نهج النظام السعودي المتّبع  وانعدام أي سُبلٍ لتحميل المسؤوليات للجهات الرسمية ومحاسبة أفرادها.

ويُثير التعذيب والإهمال الصحي اللذان يجريان في سجون النظام، الريبة تجاه أي حالة موت تحدث، مع تزايد احتمالية أن يكون السجين المتوفّى هو ضحية للتعذيب أو الإهمال الطبي.

كما أن انعدام أي شكلٍ من أشكال العمل المدني الحقوقي والقانوني داخلياً، بسبب سياسات تكميم الأفواه واعتقال أغلب النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، يُصَعّبُ الوصول بشكلٍ شفاف وكاملٍ إلى الحقائق والأرقام المتعلّقة بالمعتقلين الذين يموتون تحت التعذيب أو بسبب الإهمال الطبي.

مواطنون غيبهم الموت في السجون

وهنا نذكر بعض حالات الموت داخل السجون نتيجة الإهمال الطبي، وكذلك الحالات الغامضة.

صالح الشيحي

في 19 يوليو/تموز 2020، مات الكاتب الصحافي صالح الشيحي، بعد أن أُطلِق سراحه بشكل مفاجئ في 19 مايو/أيار من العام نفسه، بعد مضي 28 شهراً على اعتقاله منذ 3 يناير/كانون الثاني 2018، بينما كان من المفترض أن يُتِمَّ حكماً جائراً بالسجن لخمس سنوات تعقبها خمس أخرى منع من السفر، إثر انتقاده فساد الدائرة التي تحيط بالملك سلمان في الديوان الملكي.

تقارير إعلامية رسمية ذكرت أنه مات بسبب فيروس كورونا (كوفيد-19)، لكن مصادر محلّية موثوقة أكدت أن صحته قد تدهورت بالفعل أثناء وجوده في السجن، وأنّه عانى ظروفاً سيئة.

عبدالله الحامد

في 24 أبريل/نيسان 2020، توفّي في المستشفى المدافع عن حقوق الإنسان الدكتور عبدالله الحامد، بعد معاناةٍ مريرة مع الإهمال الطبي المتعمّد. والحامد هو أبرز مؤسسي جمعية الحقوق المدنية والسياسية حسم، وقد اعتُقِل عدة مرات بسبب نشاطه الحقوقي و مطالبه الإصلاحية.

وكان الحامد قد نُقِل من سجن الحائر في الرياض، الذي يُحتَجَزُ فيه منذ العام 2013، إلى العناية المركّزة في 9 أبريل/نيسان 2020، وذلك بعد تعرّضه لجلطةٍ في المخّ ودخوله في غيبوبة. وبحسب المعلومات كان الطبيب قد أكّد قبل أشهرٍ حاجته إلى إجراء عملية إلا أنه منع من إجرائها. كما عانى الحامد في سجن الحائر، قبل وفاته، من ظروف سيئة، دفعته إلى الإضراب عن الطعام مرات عدة.

أحمد الشايع

في 8 أغسطس/آب 2019 توفي أحمد الشايع في سجن الطرفية. مصادر حقوقية أكدت تعرضه خلال فترة سجنه لإهمالٍ صحيٍ متعمد وتعذيب جسدي ونفسي فاقم من معاناته.

صالح عبدالعزيز الضميري

في 3 أغسطس/آب 2019 توفّيَ الشيخ صالح الضميري في سجن الطرفية. أشارت معلومات إلى  أنه مات جرّاء الإهمال الطبي، وهو كان يعاني من أمراضٍ بالقلب، ووضع لفترات طويلة في العزل الانفرادي.

أحمد العماري الزهراني

في يناير/كانون الثاني 2019 توفي الشيخ أحمد العماري الزهراني (70 عاماً)، في سجن ذهبان في جدة وقالت الجهات الرسمية إنه تعرّض لجلطة دماغية.

ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي قالوا إنه مات بعد نحو أسبوعٍ من إطلاق سراحه، وهو في حالة موت دماغي، وتداولوا أن سبب إطلاق سراحه هو دخوله في غيبوبة جرّاء نزيف دماغي أصابه قبل أيام داخل السجن، وأنه لم يحصل على الرعاية الصحية اللازمة.

وكان الزهراني الذي شغل سابقاً منصب عميد كلية القرآن الكريم في جامعة المدينة المنورة سابقاً، قد اعتقل في سبتمبر/أيلول 2017 ضمن حملة الاعتقالات التي طالت رجال دين.

حبيب الشويخات

في يناير/كانون الثاني 2018 توفّيَ الشاب حبيب الشويخات بعد معاناةٍ مع مرض السرطان واضطراباتٍ في القلب والغدة الدرقية، والتي تضاعفت نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، وتسبّبت له بضيق التنفس وعدم القدرة على المشي وصعوبة كبيرة في الحركة، وعلى الرغم من قيام والد الشاب بمراسلة الديوان الملكي مناشداً الملك لتوفير العلاج العاجل له، وشارحاً في رسالته وضعه الصحي وحالته الحرجة، إلا أن مناشدة الأب أُهمِلَت ومات ابنه.

نزار آل محسن

في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 توفيَ الشاب نزار آل محسن في مركز شرطة تاروت. ادّعت الجهات الرسمية أن سبب موته سكتة قلبية، إلا أن مصادر محلية أفادت أن الطب الشرعي أكّد أن موته كان بسبب نزيف داخلي وتركه دون علاج أو إسعاف، فيما أكد أحد المعتقلين معه في الزنزانة، تعرّضه للضرب على الرأس قبل الموت، إلا أن العائلة أُجبرت على التنازل لاستلام الجثمان.

حسن عبد الله العوجان

في 14 أغسطس/آب 2011 توفّي الشاب حسن العوجان بعد 5 أشهر من اعتقاله في 16 مارس/آذار 2011. وكان العوجان قد اعتُقِل على خلفية المظاهرات التي شهدتها المنطقة الشرقية. مصادر محلية أكدت أن العوجان الذي كان يبلغ من العمر 18 عاماً، تعرّض للتعذيب والضرب على الرأس عند اعتقاله، كما أنه لم يتلقّ الرعاية الصحّية اللازمة كونه كان يعاني من مرض فقر الدم المنجلي، وهذا ما أدى لتدهور صحته ومن ثم وفاته.

حنان الذبياني

في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2016، أكد نشطاء سعوديون موت المعتقلة حنان الذبياني في سجن ذهبان في مدينة جدة، وبحسب المعلومات التي تناقلها النشطاء، فإن الذبياني ماتت في ظروف غامضة.

كما أشارت المعلومات إلى أن إدارة سجن ذهبان قامت باستدعاء ذوي حنان للصلاة عليها داخل السجن، ولم يسمحوا لهم إلا برؤية وجهها، وبعدها تم دفنها بمكان سري لا يعرفه حتى ذووها، كما أجبرتهم إدارة السجن على التوقيع على إقرار يقول أنها ماتت بشكل طبيعي، حتى لا يستطيع أحد أن يرفع مستقبلاً دعوة يحمّل فيها مسؤولي السجن مسؤولية موتها أو قتلها.

حمد عبدالله الصالحي

في مارس/آذار 2018 توفي حمد عبدالله الصالحي في سجن الطرفية ببريدة. الصالحي اعتقل في أكتوبر/تشرين الأول 2004 وحكم عليه بالسجن 3 أعوام، وبقي أكثر من 13 عاماً، منها 7 أعوام في العزل الانفرادي، ولم يفرج عنه حتى بعد انقضاء الحكم، على الرغم من التدهور الكبير في حالته الصحية.

لطفي آل حبيب

في أغسطس/آب 2018 اعتقلت السلطات لطفي آل حبيب (44 عاماً) بعد حادث مروري مع دورية للشرطة، حيث زعمت أنه حادث متعمد.

بعد 3 أيام تلقّت عائلته اتصالاً هاتفياً من شرطة تاروت قالت فيه إنه مات بعد أن انتحر في المعتقل، إلا أن العائلة شكّكت في هذه الادعاءات، ورفض الوالد أن يوقع إقراراً بانتحار ابنه، ورفضت السلطات تسليم الجثمان إلى ذويه ما لم يوقعوا الإقرار. مارست سلطات النظام مختلف الضغوط والتهديدات على الأب لإرغامه على توقيع الإقرار قبل أن تسلّمه جثمان الضحية.

بشير المطلق

في 25 أغسطس/آب 2018، مات الشاب بشير المطلق (40 عاماً) في سجن المباحث في الدمام، حيث أعلنت الجهات الرسمية أنه تعرض لسكتة دماغية في السجن، إلا أن مصادر محلية أكدت أنه كان يعاني من آلام ومضاعفات التعذيب التي تعرّض لها خلال السنوات الأولى من اعتقاله، وأنه حُرِم من الرعاية الصحية في السجن. ولم يتم التحقيق في ملابسات موته.

وكان المطلق قد اعتُقِل في يناير/كانون الثاني 2012 إثر وضع اسمه على قائمة 23 مطلوباً، على خلفية الاحتجاجات التي بدأت في المنطقة الشرقية خلال فبراير/شباط 2011.

نايف أحمد العمران

في 18 يناير/كانون الثاني 2019 توفي الشاب نايف العمران في السجن. كان العمران قد اعتقل عام 2011، وتفاجأت عائلته باتصال إدارة سجن مباحث الدمام لتطلب منهم استلام جثمانه، زاعمةً أنه مات بشكل مفاجئ.

فهد القاضي

في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 توفي الشيخ فهد القاضي في سجن الملز في الرياض. وكان القاضي قد اعتقل عام 2016 وحكم عليه بالسجن 6 سنوات على خلفية تعبيره عن رأيه. مات بعد ساعات من نقله إلى المستشفى فيما أشارت عائلته إلى أنه كان يعاني من التهاب رئوي حاد، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان تلقى العناية الطبية اللازمة، أو كان ضحيةً للإهمال الطبي المعتاد في السجون السعودية.

حقائق دامغة

إن انعدام الشفافية في ما يتعلّق بقضايا موت معتقلي الرأي، وسياسة الترهيب والتخويف المفروضة على المجتمع بمختلف مكوناته، تمنع الوصول إلى العدد الحقيقي لضحايا سجون النظام السعودي. إلا أن الأرقام والقضايا التي تم توثيقها حتى اليوم، تؤكد وجود ممارسات مُجَرَّمَة، تتحمل مسؤوليتها بشكلٍ مباشر الجهات الرسمية، من بينها رئاسة أمن الدولة التي تم تأسيسها في منتصف 2017 بمرسوم ملكي، وترجع للملك سلمان مباشرة، وقد برز دورها كجهازٍ قمعي شرس يتغطى بالملك مباشرة.

وفي ظلّ غياب البيئة القانونية المستقلّة وانعدام استقلالية القضاء بما يمنع أي سبل للمحاسبة، لا شيء يوقف أو يضمن عدم تكرار حالات الموت في المعتقلات.

وتصبح هذه الانتهاكات مثالاً واضحاً على طبيعة الالتفاف الذي يمارسه النظام السعودي على التعهّدات الدولية وخاصة اتفاقية مناهضة التعذيب، لا سيما أنه لا يزال يرفض زيارة المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، منذ 2006 حتى اليوم، وهو ما يعكس خوفه من انكشاف واقع التعذيب المروّع وسياسة الإهمال الطبي والحرمان من العلاج.

تُطالب اللجنة بفتح تحقيقٍ عاجل وشفاف لكشف ملابسات وفاة العشرات من معتقلي الرأي داخل السجون، وتُطالب بتسليم جثامين من لم يُسلّم منهم، كما تدعو السلطات وإدارات السجون إلى تأمين الرعاية الصحية الضرورية للمعتقلين وعدم حرمانهم من العلاجات أياً كان نوعها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى