تقارير خاصةمقالات

معتقلو الرأي في السعودية.. محطات ومراحل: الاعتقال

إعتقال المواطنين جرّاء الانتقاد السلمي لسياسات العائلة الحاكمة أو الدفاع عن الحقوق، ليس بالظاهرة الجديدة في السعودية، بل إنه نهج ثابت لم يتغير منذ عقود.

يعاني المواطنون في السعودية من حكم نظامٍ ديكتاتوري، يقمع بوحشية عبر أذرعه الأمنية وعيونه الإلكترونية كل من يخالفه الرأي.

فكيف يستهدف هذا النظام البوليسي المواطنين؟ وما هي المراحل التي يمرّ بها معتقلو الرأي؟

المرحلة الثالثة من “مراحل الاعتقال”، السلسلة التي أطلقتها لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان.

إنّ العدد الهائل للمستهدفين خلال فترةٍ زمنيّةٍ قصيرة، جعل موجات اعتقال ما بعد 2017 ملحوظة ومختلفة، وهي الفترة التي شهدت تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد. وقد قامت سلطات بن سلمان الجديدة، بعد عزل كبار المسؤولين السابقين بالأمن والمخابرات، بإعادة تنظيم أجهزة النيابة العامة والأمن السعودية، كأدوات قمعٍ أساسية، ووضعتها تحت إشراف الديوان الملكي مباشرة.

ومع خضوع أجهزة الأمن بالكامل لسيطرة الديوان الملكي، شنّت السلطات سلسلة من حملات الاعتقال، استهدفت فيها عشرات المنتقدين الحاليين والمحتملين لسياسات النظام، منهم رجال دين ومثقفون وأكاديميون ونشطاء حقوقيون بارزون، بالإضافة إلى مدافعات بارزات عن حقوق المرأة في سبتمبر/أيلول 2017 ومايو/أيار 2018.

وتزامنت موجات الاعتقال غالباً مع حملات تشهير بحق المعتقلين في الإعلام الرسمي.

وقد وثّقت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، انتهاكات جسيمة عن الاعتقالات في السعودية. الانتهاكات تبدأ مع لحظة الاعتقال الأولى حيث يتعرّض المعتقل للضرب المبرح والشتم والإهانة هو وعائلته، ومنذ دخوله سيارة الجلّادين يعتبر في عداد المخفيين قسراً، وتنقطع أخباره كلياً عن عائلته التي تجاهد لمعرفة مكان اعتقاله دون جدوى، ما لم يتم السماح له بالاتصال بهم.

حالةٌ من الرعب والخوف والهواجس يعيشها كل من المعتقل وعائلته طيلة فترة الاعتقال والمحاكمة، تترافق مع انتهاكات بالجملة بحق المعتقل وعائلته.

في معظم الحالات، يُحرَم المعتقل بعد احتجازه مباشرةً من التواصل مع عائلته ويُعزَل في الحبس الانفرادي لمدةٍ طويلة في فترة التحقيق، كما يُمنَع من الاستعانة بمحامٍ قبل بدء المحاكمة الصوريّة، في مخالفةٍ فاضحةٍ لنظام الإجراءات الجزائية المحلي.

كما تم توثيق ملاحقة السلطات لأفراد عائلات المعتقلين ومضايقتهم، بما يشمل فرض حظر سفر تعسفي عليهم، وحرمانهم من زيارة ابنهم في سجنه، والتهديد المستمر بالاعتقال.

ووسط غيابٍ مقلقٍ للقانون أو العدالة، يتمّ في حالاتٍ كثيرة احتجاز الناشطين لفترات طويلة دون تهم أو محاكمة أو أية عملية قانونية واضحة.

وهذا ما حصل مع المعتقلين التسعة من المنطقة الشرقية الذين تم اعتقالهم في 25 يونيو/حزيران 1996، بذريعة الاشتباه بالتورط في هجمات الخبر، ولم يتمّ حتى اليوم محاكمتهم أو إخلاء سبيلهم. وغيرهم العشرات الذين لقوا المصير نفسه، منهم من أُعدِم دون وجه حق أو قضى تحت التعذيب، ومنهم من سُجِن عشرات السنين، ومنهم من أُخليَ سبيله بعد أن أمضى معظم حياته في المعتقل.

ممارسات النظام القمعية لا تتوقف عند الاعتقال فحسب، بل تنسحب إلى مسارات أخرى، منها ابتزاز المحتجزين بأصولهم المالية مقابل إخلاء سبيلهم، بعيداً عن أية عملية قانونية، أو طلب الإعدام لمعتقلي الرأي، على الرغم من أن التهم الموجّهة إليه ليست جرائم معترف بها.

ومن الأساليب القمعية الجديرة بالذكر كذلك، إعداد فرق موت مخصّصة لاختطاف أو تصفية المعارضين، وهو ما برز كثيراً في الأعوام القليلة الماضية لا سيما خارج البلاد.

إن الجانب القمعي للنظام السعودي داخل البلاد وخارجها، صدم الرأي العام العالمي، وأدّى إلى تدقيقٍ أوسع في وضع حقوق الإنسان داخل البلاد، غير أنه بقيَ في إطار التوثيق والتنديد، دون اتخاذ خطواتٍ ملموسة من قبل المجتمع الدولي لوقف الانتهاكات المستمرة بحق الشعب. واقتصرت مطالبات دول وقادة من أنحاء العالم بتسليط الضوء على استمرار الاحتجاز التعسفي للمعارضين والناشطين البارزين، لا سيما المدافعات عن حقوق المرأة، المُحتجزات في السجون.

“البرلمان الأوروبي” اعتمد قراراً يطالب النظام “بالإفراج الفوري غير المشروط عن المدافعات عن حقوق المرأة وكافة المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والصحفيين وغيرهم من سجناء الضمير الذين سُجنوا وعوقبوا مجرد ممارستهم لحقهم في حرية التعبير، والمطالبة بإصلاحات حقيقية”.

في 7 مارس/آذار 2019، أصدرت 36 دولة في “مجلس حقوق الإنسان” التابع لـ “الأمم المتحدة” أول بيان مشترك على الإطلاق حول الانتهاكات الحقوقية للنظام، وطالبته بـ “إخلاء سبيل جميع الأفراد، الذين احتُجزوا بسبب ممارستهم لحرياتهم الأساسية”.

وتحظر المادة 14 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي يعتبر النظام السعودي طرفاً فيها، الاعتقال التعسفي. ويقول فريق العمل التابع للأمم المتحدة المعني بالاعتقال التعسفي، إن الاعتقالات تعتبر تعسفية إذا لم يكن هناك أي أساس قانوني واضح للاعتقال أو إذا تم القبض على شخص لممارسته حق حرية التعبير والتجمع السلمي، من بين حقوق أخرين.

تطالب اللجنة السلطات السعودية بإطلاق سراح كافة معتقلي الرأي، والتوقّف عن تنفيذ عمليات الاعتقال التعسفي الكيدية، وتدعو اللجنة إلى الالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية لما لها من أهمية في حفظ حقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى