المزيد من الانشقاقات في السعودية: بداية انتفاضة داخلية؟
منذ أيام، أعلن طارق الزهراني، أحد منسوبي رئاسة الحرس الملكي، انشقاقه عن النظام السعودي عبر مقطع فيديو مصوّر نشره في “تويتر”. المقطع حصد ثلاثة ملايين مشاهدة وانتشر بشكلٍ واسعٍ، وكذا انتشر خبر الانشقاق في صفحات وسائل الإعلام.
الزهراني أرجع أسباب الإنشقاق إلى ما يشهده من “تخبطات داخل أروقة البلاط الملكي”، ولعدم “محاكمة المجرمين وأصحاب النفوذ” الذين يراهم بشكل شبه يومي داخل أروقة القصور الملكية، وبسبب الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان بالإضافة إلى “التهديدات المبطنة للضباط والأفراد تحت مسمّى الولاء والبراء وتجديد البيعة”.
المقطع أعاد إلى الأذهان حادثتي الانشقاق اللتين شهدتهما المؤسسة العسكرية مؤخراً، حين أعلن العقيد في الأمن العام رابح العنزي انشقاقه عن النظام السعودي، وبعده بأسابيع قام الجندي أول في الحرس الوطني مهند بن علي الصبياني بإعلان انشقاقه عن الحكومة السعودية وعن وزارة الحرس الوطني.
وقد ذكر العنزي حينها أنه قرر الانشقاق بسبب الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، وبسبب سياسات محمد بن سلمان المتهوّرة على الصعيدين المحلي والدولي، فيما قال الصبياني أن انشقاقه جاء بسبب ما “شاهده واكتشفه من ظلم وافتعال للأكاذيب وإخفاء للحقائق عن المواطن، وخوض حروب كاذبة وظلم لجميع من ينطق بكلمة الحق وسجنهم وتعذيبهم داخل سجون الدولة”.
التقى الثلاثة في نقطةٍ واحدةٍ إذاً، وتشابهت الأسباب على اختلاف صياغتها، هو الظلم اللاحق بالمواطنين والانتهاكات التي لا تنتهي والسياسات التي تخدم السلطة وتهمّش الشعب، هذه الأسباب دفعَت هؤلاء إلى الانسحاب، أعلنوا انشقاقهم وابتعادهم عن ساحةٍ قد تعرّضهم لأن يكونوا مساهمين وشركاء بالظلم والانتهاكات.
ماذا شهِد هؤلاء حتى توصّلوا إلى قرارهم هذا؟ لن نعرِف بالتحديد، لكنّ ما يحصل كل يومٍ في السعودية كفيلٌ أن يكون نافذةً مصغّرةً نشاهد منها بعض ما يشهدونه.
الحرب ضد اليمن
شكّل العداون الذي شنّته عدة دول عربية بقيادة السعودية ضد اليمن أزمةً حقيقية لشريحةً واسعة من العسكرين، إذ أُجبِروا على القتال في حربٍ عبثية يرفضونها، ووجدوا أنفسهم وجهاً لوجه ضد أبناء وطنٍ شقيق. هذا شكّل عبئاً نفسياً كبيراً عليهم، لا سيما وأنهم لا رأي لهم ولا خيار.
عمليات الإخلاء القسري
أُجبِرَ العسكريون على المشاركة في عمليات الإخلاء التي استهدفت عشرات الأحياء وآلاف المنازل والوحدات السكنية، وقد كان الجزء الأكبر منهم معارضاً لهذه العمليات، خصوصاً مع ما تخلّلها من استخدافٍ للعنف.
التعذيب في السجون
شهِد عدد كبيرٌ من العسكريين عمليات التعذيب التي تحصل في السجون السعودية بحق معتقلي الرأي، كما شهدوا كل ما يتعرّض له معتقلو ومعتقلات الرأي من معاملة قاسية ومهينة أثناء عمليات التحقيق.
الاعتقالات التعسفية
شارك العسكريون في تنفيض عمليات الاعتقال التعسفي التي تستهدف الناشطين وأصحاب الرأي، وعلى الرغم من أن الكثيرين منهم غير مؤيدين لهذه الاعتقالات، إلا أنهم مرغمون على تنفيذ الأوامر التي تصلهم.
والأمر نفسه بالنسبة لعمليات قمع التظاهرات السلمية.
التجسس على المواطنين
من المهام المُريبة الي تُطلَب من العسكريين هي التجسس على بعض الجماعات في مناطق محددة، وهي مهمة تشكّل إرباكاً لعددٍ كبير منهم، ويحاول البعض التهرّب منها.
العقيد المنشقّ رابح العنزي كان قد قال في حديث لموقع “ميدل إيست آي”، إن السلطات كانت تطلب منهم تنفيذ مهام أمنية كالتعامل مع الاحتجاجات التي انتشرت بعد بدء حملات هدم المنازل، وقال إنه تهرّب من العملية ذات مرة متذرّعاً بالمرض، كما ذكَر أنه خلال شهر رمضان المنصرم، طُلِب منه الذهاب إلى محافظة القطيف، للتجسس على المسلمين الشيعة، لكنّه تهرّب من المهمة أيضاً.
يقول كرين برينتون في كتابه “تشريح الثورة”: “لم تسقط أي حكومة من قِبل المهاجمين حتى فقدت السيطرة على قواتها المسلحة أو فقدت القدرة على استخدامها بشكل فعال”. بعد هذه الانشقاقات التي تحصل داخل المؤسسة العسكرية في السعودية، بات مؤكداً أن خبر انشقاق عسكريين سيتكرر كثيراً في المرحلة المقبلة، وهذا ما له دلالات خطيرة، فهل تكون المؤسسة العسكرية هي أولى المؤسسات التي تنتفض على العائلة الحاكمة وسياساتها القمعية؟