إصلاحات بن سلمان القضائية ترسيخ لنظام الظلم السعودي
في فبراير الماضي، أعلن ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” عن إصلاح شامل للنظام القضائي السعودي مع خطط لإقرار 4 قوانين جديدة هي: مشروع نظام الأحوال الشخصية، ومشروع نظام المعاملات المدنية، ومشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، ومشروع نظام الإثبات.
ونُقل عن ولي العهد قوله إن “القوانين الجديدة تمثل موجة جديدة من الإصلاحات التي من شأنها زيادة موثوقية الإجراءات وآليات الرقابة، كونها ركيزة أساسية لتحقيق مبادئ العدالة التي تفرض وضوح حدود المسؤولية”.
وفي 25 أبريل/نيسان الماضي، أوضح “بن سلمان”، خلال مقابلة متلفزة مع الصحفي “عبدالله المديفر”، سبب تفكيره في سن القوانين الجديدة، قائلا: “تريد سائحا يأتي إليك، تستهدف 100 مليون سائح لتوفير 3 ملايين وظيفة، وتقول أنا عندي حاجة جديدة اخترعتها غير القوانين المتعارف عليها فلن يأتيك، إذا أردت أن تضاعف مثل ما ضاعفنا الاستثمارات الأجنبية من 5 مليارات ريال إلى 17 مليار ريال وتقول تعال استثمر عندي أنا عندي اختراع جديد، لا محاميه يعرف الإجراءات التي تعملها ولا يعرف كيف تطبق ويحتاج إلى أن يستثمر فيها مبالغ ضخمة، فيقول دع الاستثمار في هذه الدولة”.
مواجهة مع النخبة الدينية:
تعد القوانين ومبررات تقديمها تتويجا لحملة ولي العهد الرامية لانتزاع السلطة والسيطرة على القضاء من النخبة الدينية، وهذا الانتزاع قد اكتمل الآن.
في المقابلة، تقمص “بن سلمان” شخصية عالم دين، وحدد الأحاديث النبوية التي يجب اتباعها، وتلك التي يجب الطعن فيها أو تجاهلها.
فقال لـ”المديفر”: “الحكومة في الجوانب الشرعية ملزمة بتطبيق النصوص في القرآن ونصوص الحديث المتواتر وتنظر للحديث الآحاد حسب صحته وضعفه ووضعه، ولا تنظر لأحاديث الخبر بتاتا، إلا إذا كانت تُسند إليها رأي فيه مصلحة واضحة للإنسان”.
كما افترض “بن سلمان” أنه في حين أن الفقه لا يزال أساسه القرآن، فإنه يمكن الاستغناء عن التمسك بتفسيرات وفتاوى “محمد بن عبدالوهاب”، عالم الدين السعودي الذي عاش في القرن الثامن عشر، وهو مؤسس النسخة المتشددة من الإسلام التي أصبحت تسمى الوهابية.
وقال في هذا الصدد: “الشيخ محمد بن عبدالوهاب لو خرج من قبره ووجدنا نلتزم بنصوصه ونغلق عقولنا للاجتهاد ونؤلهه أو نضخمه لعارض هذا الشيء”.
لا رحيم ولا عادل:
بجملة واحدة (قالها بن سلمان)، انهار التحالف الذي دام قرونا بين “آل سعود” والوهابية، واستبدل التسامح نسخة غير متسامحة من الإسلام، وتحرر الفقه من قيوده الراسخة. إنه ما يحب ولي العهد تسميته بالعودة إلى الإسلام ” المعتدل”.
لكن النظام القانوني الذي خصصه “بن سلمان” لأهدافه الخاصة ليس رحيما ولا عادلا. فقد تم استبدال نظام قمعي بآخر.
فـ”عبدالرحمن السدحان” (37 عاما)، عامل إغاثة إنسانية، تم القبض عليه في مكتب الهلال الأحمر في الرياض عام 2018، واختفى في غياهب السجون السعودية.
وخلال ما يقرب من 3 سنوات، لم تتلق عائلته سوى مكالمة هاتفية قصيرة واحدة منه. بعد ذلك، ووفقا لشقيقته “أريج”، تلقت العائلة مكالمة ثانية: “شعرنا بسعادة غامرة لسماع صوته في يوم 22 فبراير/شباط 2021، بل وسعدنا أكثر عندما أخبرنا أنه سيطلق سراحه قريبا”، وفق مقال كتبته في صحيفة “واشنطن بوست”. وتضيف “أريج” مستدركة: “لكن كانت فرحتنا قصيرة الأمد، فقد نقل على وجه السرعة عبر عملية محاكمة سرية غير مشروعة وحكم عليه بالسجن لمدة 20 عاما يعقبها حظر سفر لمدة 20 عاما بعد انقضاء مدة محكوميته”.
كانت جريمة “عبدالرحمن” أنه نشر تغريدة عبر حسابه المجهول على “تويتر” تشمل انتقادات للقمع في المملكة.
وقدم “مركز الخليج لحقوق الإنسان” تفاصيل عن مهزلة الإجراءات القضائية التي مر بها. إذ وصف واحدة فقط من الإجراءات بحقه قائلا: “في 22 مارس/آذار 2021، تم عقد جلسة أخرى سرية. تم إبلاغ المحامي بها في آخر لحظة، ولكنه عندما حضر كانت الجلسة قد انتهت. قام الادعاء العام بعرض اعتراضاته على رد الدفاع خلال الجلسة. لم يتمكن والده من حضور هذه الجلسة لأنه لم يتم إبلاغه بها على الرغم من كونه الوكيل الشرعي له”.
وأفادت منظمة “القسط” الحقوقية أن “عبدالرحمن” تعرض خلال فترة اعتقاله لـ”التعذيب الشديد والتحرش الجنسي، والذي يشمل على سبيل المثال لا الحصر الصعق بالكهرباء والضرب الذي تسبب في كسور العظام والجلد والتعليق في أوضاع مجهدة والتهديد بالقتل والإهانات. والإذلال اللفظي والحبس الانفرادي”.
اختفاء في غياب السجون:
ومن بين الأشخاص الآخرين الذين اختفوا في غياهب سجون “بن سلمان” رجل الدين المعتدل “سلمان العودة”، الذي اعُتقل في عام 2017. ومثل أمام المحكمة الجزائية المتخصصة عام 2018؛ حيث طالب المدعي العام بإعدامه.
في 30 ديسمبر/كانون الأول 2020، قال نجله “عبدالله”، في تغريدة عبر “تويتر”، إن السلطات تنفذ “عملية قتل بطيء” بحق والده بحرمانه من العلاج الطبي.
كذلك، اختفى رجل الدين المحافظ “سليمان الدويش” عام 2016، بعد يوم من نشره على “تويتر” انتقادات لولي العهد.
وبحسب “الديمقراطية الآن للعالم العربي”، وهي منظمة حقوقية أخرى مقرها جنيف، فقد “تم تكبيل يديه (الدويش) بالسلاسل ونقله إلى مكتب محمد بن سلمان نفسه”؛ حيث أجبر الأخير “الدويش” على أن “يجثو على ركبتيه وشرع في الاعتداء عليه شخصيًا، حيث لكمه في صدره وحنجرته، وقام بتوبيخه بسبب تغريداته. كان الدويش ينزف بشدة من فمه وفقد وعيه”.
وباستثناء مكالمة هاتفية جرت عام 2018، لم تسمع أسرة “الدويش” أي شيء عنه منذ ذلك الحين، وتخشى وفاته.
وفي مقابلته قال “بن سلمان” لـ”المديفر”: “التطرف في كل شيء غير جائز، والرسول عليه الصلاة والسلام تكلم بأنه في يوم من الأيام سيخرج من يتطرف، فإذا خرجوا اقتلوهم. فالغلو في أي شيء سواء في الدين أو في ثقافتنا أو عروبتنا أو في أي أمر كان خطير للغاية”.
إن التهديد واضح بقدر صراحته. ففي عالم العدالة لـ”بن سلمان”، المتطرف هو كل من ينتقده أو يدعو إلى فرض قيود على الدولة البوليسية القمعية التي فرضها على المملكة.
قدم “عبدالرحمن السدحان” استئنافا على الحكم الصادر بحقه، لكن عائلته حُرمت من أي زيارات أو مكالمات هاتفية، وتأمل أن يؤدي الضغط الدولي، ولا سيما تدخل إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، إلى إطلاق سراحه.
وبنفس الأمل، تتشبث عائلات السجناء والمختفين الآخرين، الذين يبلغ عددهم بالآلاف.
وعند صعود الملك سلمان بن عبدالعزيز الى كرسي الحكم واستلام ابنه محمد زمام ولاية العهد اتجهت البلاد نحو الرذيلة والانحطاط، وتشريع الدعارة، والمثلية، وكرع الخمور، بذريعة الانفتاح والتحرر، وقد زج بالكثير من العلماء والفضلاء، والدعاة، والنشطاء والناشطات، والمفكرين، وزعماء القبائل في السجون، وتم التخلص من أغلبهم، اثناء التعذيب وسوء المعاملة، ناهيك عن الاهمال الطبي.
ويقبع العديد من منتقدي محمد بن سلمان، في السجن، ويخضع بعضهم لمحاكمات منذ عام 2017.