موسى القرني، نموذج للانتهاك الحقوقي والطبي بسجون ال سعود
جاءت وفاة الأكاديمي السعودي، موسى القرني (66 عامًا)، داخل أحد سجون السعودية، والمعتقل في عام 2007 مع مجموعة من الحقوقيين؛ لمطالبتهم بإنشاء جمعية لحقوق الإنسان في المملكة، بحسب منظمات حقوقية سعودية، ليعيد من جديد قضية الإهمال المعيشي والطبي داخل سجون المملكة.
قضى الدكتور “القرني”، 14 سنة في زنزانة ضيقة، تحمل فيها كل ممارسات التعذيب الجسدي والنفسي، ومع الإهمال المتعمد تدهورت حالته الصحية، وتُرك يكابد تلك المعاناة وحيدا خلف القضبان، حتى توفي رحمه الله.
سيرة عطرة:
موسى بن محمد بن يحيى القرني، من مواليد 1954م، أكاديمي سعودي مُعارض، ولد في منطقة جيزان، وحصل على درجة الدكتوراه في تخصص أصول الفقه من الجامعة الإسلامية، وحُكم عليه بالسجن لمدة 20 سنة في قضية خلية الاستراحة.
عمل في الجامعة الإسلامية وكيلاً، ثم عميدًا لشؤون الطلاب، ثم أستاذًا لأصول الفقه في كلية الشريعة وكلية الحديث وقسم الدراسات العليا في الجامعة، ثم رئيسًا لقسم أصول الفقه في الجامعة. كما عمل أستاذًا متعاونًا لتدريس مادة العقيدة في فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالمدينة كلية الدعوة والإعلام، وأشرف وناقش عددًا من رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعة الإسلامية وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجامعة أم القرى وأكاديمية الأمير نايف.
عمل “القرني” في التدريس بجامعة الدعوة والجهاد التابعة للشيخ سياف في بيشاور، والمعهد الشرعي التابع للشيخ جميل الرحمن في بيشاور، وأشرف على الأكاديمية الإسلامية للعلوم والتقنية التابعة لهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية ورابطة العالم الإسلامي في بيشاور ثم مديرًا لها.
أشرف “القرني” علميًا على عدد من المعاهد الشرعية في مخيمات المهاجرين الأفغان التابعة للجنة البر الإسلامية، وأُحيل إلى التقاعد بقرار ملكي، ليعمل بعدها بالمحاماة وكان له بالمدينة المنورة في بيته ديوانية سبتية عنيت بالإصلاح.
ومن مؤلفاته المشهورة؛ مرتقى الوصول إلى تاريخ علم الأصول، والنهي ودلالته على الأحكام الشرعية.
ورغم محاولة السلطات السعودية ربطه بالإرهاب، بالاستناد إلى ذهابه سابقا لأفغانستان وباكستان، ومعرفته بأسامة بن لادن، إلا أن موسى القرني ذهب وعاد في الفترة التي كانت تدعم فيها السعودية “الجهاد الأفغاني”.
وأيّد القرني في تصريحات صحفية ما تقوم به وزارة الداخلية من محاورة أصحاب الفكر المتشدد في السجون، إلا أنه لم يسلم من الاعتقال لاحقا.
واعتقل القرني في عام 2007، وحُكم عليه في ذات القضية مع المعتقل المعروف الدكتور سعود الهاشمي وآخرين بالسجن 20 عاما، والمنع من السفر بعد انقضاء محكوميته 20 عاما، علما بأنه يبلغ من العمر حاليا 66 عاما.
في أيار/ مايو 2018، فجع ذوو موسى القرني بتعرضه لجلطة دماغية، تسببت في نقله إلى مستشفى للأمراض العقلية في جدة، بحسب مصادر حقوقية.
وفاة متوقعة:
جاء إعلان منظمة “سند” الحقوقية السعودية أنباء وفاة الأكاديمي والإصلاحي المعتقل منذ أكثر من 15 عامًا، موسى القرني، داخل محبسه، ليضع نقطة النهاية لمشوار معاناة طويل عاناها “القرني” داخل محبسه.
فقد تعرض “القرني” للإصابة بجلطة في الدماغ، تسببت بفقدان عقله، وذلك نتيجة الإهمال الصحي داخل السجن، والتي انتهت بإدخاله لمستشفى الأمراض العقلية في مارس 2019، بعد أن تهجّم عدة مرّات بشكل غير مبرّر على السجين الموجود معه بنفس الزنزانة، فتمّ نقله للعزل الانفرادي، وبعد تكرار تصرفه بشكل غريب تبيّن أن السبب هو جلطة دماغية، ومع الإهمال الطبي بالسجن تم نقله لمستشفى للأمراض العقلية.
وهذا ما ذكرته “سند” في بيانها الذي أكدت فيه أن وفاة “القرني” جاءت بعد معاناة طويلة مع المرض وإهمال طبي متعمد داخل معتقلات النظام السعودي، حيث تدهورت حالته الصحية بشكل كبير في السنوات الأخيرة دون أن يتلقى أي رعاية طبية.
وأضاف البيان أن وفاة “القرني” بعد قضائه 15 عاما في معتقلات النظام السعودي، حيث كان يقضي حكمًا جائرًا بالسجن مدة 20 سنة، يليها 20 سنة منع من السفر، بعد اتهامه بعدة تهم، منها “التخطيط لتأسيس حزب” و “التواصل مع جهات أجنبية” و”الخروج على ولي الأمر”.
ونعت المنظمة في ختام بيانها الفقيد داعية له بالرحمة والمغفرة، كما حملت السلطات السعودية مسؤولية وفاته داخل المعتقل وأسلوب القتل البطيء الذي مورس ضده والذي يعد جريمة في كل القوانين الدولية.
بدورها، أكدت منظمة “القسط” لحقوق الإنسان بالخليج نبأ وفاة “القرني”، مؤكدة تعرضه للتعذيب داخل محبسه أكثر من مرة.
وشددت “القسط” على أنه ثبت لها تعمد السلطات السعودية الإضرار بـ”القرني” بإعطائه أدوية نفسية غير مناسبة وتعريضه لظروف قاسية لإلحاق الضرر، مشككة في أسباب الوفاة، وداعية لتحقيق دولي.
انتهاك حتى بعد الوفاة:
حتى بعد موته، لم يسلم “القرني” من التعنت والتعذيب من قبل السلطات السعودية، فذكرت مصادر حقوقية سعودية أن سلطات المملكة امتنعت عن تسليم جثمانه لعائلته، كما تكتمت على موعد وفاته لعدة أيام دون أن تبلغهم.
وقال حساب “معتقلي الرأي” عبر “تويتر” إن وفاة الشيخ موسى القرني، حدثت يوم السبت 9 أكتوبر، فيما لم تُفصح السلطات عن ذلك حتى يوم الثلاثاء 12 أكتوبر.
وأضاف الحساب أن السلطات امتنعت عن تسليم جثمان الشيخ “القرني” إلى أهله، حتى وصوله إلى المسجد النبوي للصلاة عليه، وتم دفنه في البقيع، دون أن يراه أهله ومحبوه.
كما أشار “معتقلي الرأي” إلى أن السلطات كانت منعت عائلة “القرني”، من زيارته والتواصل معه والاطمئنان على حالته الصحية قبل وفاته بشهر كامل.
عاصفة حقوقية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه:
كان لوفاة “القرني” وقع كبير في الأوساط الحقوقية السعودية، حيث نددت عدة جهات حقوقية سعودية بوفاة الإصلاحي والحقوقي السعودي البارز، داخل محبسه، مع دعوات لإطلاق سراح المعتقلين من كبار السن وذوي الأمراض المزمنة.
من جهته، دشن حساب “معتقلي الرأي” الشهير عبر “تويتر” حملة للتغريد بوسم #وفاة_موسى_القرني، لتسليط الضوء على الانتهاكات التي تمارسها السلطة بحق معتقلي الرأي في السجون، والمطالبة بالإفراج عمن تبقى من إصلاحيي جدة.
كما طالب الحساب السلطات السعودية بإطلاق سراح د. سعود مختار الهاشمي، قبل أن يُلاقي نفس المصير، لا سيما وأنه رهن الاعتقال التعسفي منذ 2007، وقد أصيب بجلطة دماغية، أثناء فترة اعتقاله.
كما دعا “معتقلي الرأي” أيضًا لإطلاق سراح كل المشايخ المسنين المرضى، الذين يكابدون مرارة العيش خلف القضبان، ويتحملون أصناف الانتهاكات، محملاً السلطات السعودية المسؤولية التامة عن سلامة وحياة معتقلي الرأي المسنين، الذين يعانون أمراضًا مزمنة، ولا يتلقون الرعاية الطبية اللازمة.
وفي نفس السياق، أكدت منظمة “سند” الحقوقية السعودية انتهاك سلطات المملكة لنظام “القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء” الأممي.
وقالت المنظمة في بيان لها، إن النظام الأممي فيه شروط وبنود يستوجب على الدول المنضمة فيه، إلى الالتزام فيها، حول كيفية التعامل مع المعتقلين وفق ما يتطلب مراعاته إنسانيًا، وهو ما لم تلتزم به المملكة.
وأشارت “سند” إلى أنه في سياسة التعامل الحكومي مع معتقلي الرأي في المملكة، أصبحت السلطة متورطة في انتهاك معظم بنود النظام الأممي المعني، ليؤكد على مدى الانتهاكات التي يتعرض لها معتقلي الرأي داخل المعتقلات الحكومية.
وشددت المنظمة على أنه على السلطات السعودية مراجعة سياستها التعسفية في التعامل مع معتقلي الرأي، والعمل على إصلاح الانتهاكات المروعة التي تشهدها المعتقلات.