انحدار واقع حقوق الإنسان في السعودية لا يغطيه صفقات مشبوهات
يؤكد مراقبون وناشطون حقوقيون أن استمرار انحدار واقع حقوق الإنسان في السعودية بفعل القمع والبطش بأي معارضة سلمية، لا يغطيه صفقات مشبوهات مثل الاستحواذ على نادي نيوكاسل الإنجليزي مؤخرا.
وقبل أيام مرت الذكرى الثالثة لاغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي على يد آلة البطش والاستبداد السعودية في وقت تشهد فيه الساحة الحقوقية في المملكة انحداراً كبيراً في ظل استمرار عمليات الاعتقال التعسفي، والمحاكمات المجحفة والقتل البطيء لآلاف من معتقلي الرأي.
وبدل أن يحاول النظام السعودي الالتفات للداخل ومواجهة الخلل وإصلاح هذا السجل الممتلئ بالانتهاكات، فإنه يهرب إلى الأمام متخبطا هنا وهناك، ساعيا بلا جدوى إلى تغطية تاريخه من خلال ترويج الترفيه والغسيل الرياضي والفني.
فقد أعلن مؤخراً الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم في بيان رسمي أن مجموعة يقودها ما يسمى بصندوق الاستثمارات العامة السعودي استحوذت على نادي نيوكاسل يونايتد.
وذكرت تقارير أن صفقة شراء صندوق الاستثمارات العامة السعودي –الذي يرأسه ولي العهد محمد بن سلمان– لنادي نيوكاسل قد تبلغ 415 مليون دولار.
وقد حاولت السعودية عدة مرات في وقت سابق شراء النادي الإنجليزي وفشلت، لسبب رفضها لجنة تحكيم من قبل رابطة الدوري الإنجليزي حسب ما أشيع وقتها.
ولكن مصادر أخرى تشير إلى أن الخلاف القطري السعودي في ذلك الوقت قد أعاق تلك الصفقة بسبب اتهام قطر للسعودية بقرصنة قنواتها الرياضية والتي تنقل الدوري الإنجليزي، وقد تسهلت الصفقة بعد عودة المياه إلى مجاريها بين الدولتين الخليجيتين.
وقد حثت منظمة العفو الدولية في بيان لها جماهير النادي الانجليزي والعاملين فيه مراجعة السجل السيء لحقوق الإنسان في المملكة بعد الاستحواذ المثير للجدل.
واكدت المنظمة أن شراء أندية بغرض الغسيل الرياضي ليس جديداً، ولكن الخطوة السعودية الأخيرة ستعزز اشتعال قضية حقوق الإنسان في البلاد.
ودعت المنظمة الدولية إلى أن يستحضر مشجعو النادي تلك الأحكام القاسية التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان في السعودية باستمرار، خصوصا وأنه لا يمكن الثقة بأن صندوق الاستثمارات العامة يتمتع بأي استقلالية عن قبضة ولي العهد السعودي.
ولكن في الجهة المقابلة، يحق لسائل أن يسأل عن فائدة هكذا صفقة على الداخل السعودي والوضع الاقتصادي والحقوقي في الوقت الراهن؟ وهل هناك جدوى اقتصادية حقيقية من تملك المؤسسات السيادية الخليجية للأندية الأوروبية؟ أو هل ستساهم في تحسن حقيقي للوضع الحقوقي داخل البلاد؟.
تظهر الأرقام إلى أن صفقات كهذه لا يمكن أن تكون ذا مردود مادي يذكر. فعلى المدى القريب، يُتوقع من الملاك (النفطيين) الجدد لهذه الأندية ضخ الملايين لاستقطاب النجوم الكبار.
وعلى المدى البعيد، فإن الأندية الأوروبية العريقة، مثل برشلونة وريال مدريد، لم تحقق إيرادات تذكر، بل مُنِيَ بعضها بخسائر في السنين الأخيرة مثل مانشستر يونايتد.
فهل سيكون نيوكاسل يونايتد الثقب الأسود لصندوق الاستثمارات السعودي؟ خصوصا وأن جماهير النادي الذي يتذيل الدوري الإنجليزي هذه الأيام جائعة للمال السعودي.
يذكر أن ياسر الرميّان والذي عيّن رئيسا غير تنفيذي للنادي، يرأس في الوقت نفسه رئيس مجلس إدارة شركة أرامكو، مصدر الدخل الأول للسعودية!.
من جهة أخرى، ومع استبعاد الهدف الاقتصادي المادي من هذه الصفقة، يمكن أن يكون الغسيل الرياضي هو الهدف السعودي من هذه الصفقة.
فالواضح أن النظام السعودي يخطط لاستهداف وكسب جماهير الأندية الأوروبية العابرة للقارات لمحاولة تلميع وغسل سمعتها التي لا يفارقها قضايا انتهاكات حقوق الإنسان كلما ذكر اسمها
كما يرجح أن يستهدف النظام السعودي منصة النادي الانجليزي لتسويق وترويج مشروعاتها السياحية مثل نيوم. ولكن لن يصلح العطار ما أفسد الدهر!
لذلك ليس من المستغرب أن ينظر السعوديون إلى تلك الصفقة بعين الريبة والحسرة، خصوصا وأن مليارات الريالات التي صرفت وستصرف على صفقات كهذه، كانت ستغير حياة آلاف العوائل التي تعاني في هذا الوقت من شبح البطالة والفقر.
ويحق لهم أن يسألوا: أليس من الأولويات في سياسات الدول أن يتم تقوية الجبهة الداخلية من خلال استثمار داخلي في الشعب ومحاربة البطالة وإنشاء البنى التحتية في بعض مناطق البلاد التي تفتقر إلى الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء؟.
أليس من الأولى أن يتم كسب الشعب السعودي في صف النظام من خلال إصلاحات حقيقية، بدل السعي الفارغ إلى كسب شعوب العالم من خلال الرياضة؟ ألم يكن من أسباب ازدهار كرة القدم الأوروبية وتميزها أنها كانت محتضنة من قبل دول تحترم حقوق الإنسان وتهتم بالشأن الداخلي قبل الخارجي؟.
أيحق للسعوديين، الملاك الحقيقين لصندوق الاستثمارات، أن يعبروا بحريّة عن رأيهم في ذلك أو ينتقدوا مثل هذه الصفقة أو أن يسألوا عن جدواها، أو أن يطالبوا بمحاسبة المتسببين بضياع ثرواتهم وثروات أولادهم وأجيال المستقبل؟ أم أن الاعتقال هو مصير من ينتقد؟.
وأخيراً، هل الهدف من هكذا صفقة هو تطبيع وتحسين صورة المملكة المشوهة في عيون العالم والغرب تحديداً؟ أم هل ستساهم في مزيد من التشويه وتركيز دائرة الضوء على البلاد التي تعاني من سجل متهالك في حقوق الإنسان؟
في المقابل، ينبغي استغلال هذه الصفقة في تسليط الضوء على الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان في السعودية، كما ينبغي فضح ممارسات النظام من اعتقال تعسفي أو قتل بطيء أو تعذيب أو منع سفر في كل محفل رياضي.
إن الطريق الأمثل والأقل كلفة هو كسب ود الداخل السعودي من خلال خطوات إصلاحية جادة على جميع الأصعدة، سواء كانت حقوقية أو اقتصادية أو سياسية. حينها فقط لن نحتاج إلى من يغسل صورة المملكة أمام العالم.