قانونية إعدام الأطفال في السعودية: تحليل لنظام الأحداث الصادرعام 2018 الأمر الملكي الصادر عام 2020
المقدمة
كما جرت العادة، تنكر حكومة المملكة العربية السعودية إعدامها للأطفال، وغالبًا ما تكرر في المحافل الدولية أن القضاء لا يصدر أحكامًا بالإعدام بحق أطفال. لكن ذلك هو قطعا خاطئ. فقد قامت السلطات السعودية منذ عام 2011 بإعدام ما لا يقل عن ١٢ أشخاص زُعم أنهم ارتكبوا جرائم يُعاقب عليها بالإعدام عندما كانوا قاصرين. كما يسمح القانون السعودي صراحةً باستخدام عقوبة الإعدام ضد الأحداث المدانين بارتكاب جرائم معينة، حيث أنه لا يفرق بين القاصرين والبالغين في كثير من الحالات. سيحلل هذا التقرير بإيجاز نظام الأحداث السعودي الصادر عام 2018 الأمر الملكي رقم 46274 المرافق له والصادر بتاريخ 29/7/1441، حول موضوع إعدام الأطفال. سيكون هذا التحليل وفقًا للقانون الدولي ولأحكام الشرية الاسلامية والقوانين السعودية، مظهرا كيف أن تعريف السعودية لكلمة “الأحداث” يعد إشكالياً، ومثبتاً بشكل قاطع أن القانون السعودي يتوخى، لا بل يتغاضى عن تحريم إعدام الأطفال. باختصار، إن الاستثناءات الخاصة بالجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام في نظام الأحداث والمرسوم الملكي تعني عدم إلتزام السعودية بوضع سن محدد يمنع تنفيذعقوبة الإعدام على بعض الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام. بالإضافة إلى ذلك، التعريف الإشكالي لكلمة “الأحداث” في أحكام الشريعة في السعودية غير المقننة، مع الأخذ في عين الاعتبار قدرة القضاة على التلاعب بتعريف عبارة “الجرائم التي لا يغطيها القانون”، يمنح القضاة السعوديين سلطة تقديرية كبيرة في الحكم على القاصرين بالإعدام.
القانون السعودي
وفقًا لاتفاقية حقوق الطفل الصادرة بتاريخ 20 نوفمبر 1989، والتي انضمت إليها السعودية في 26 يناير 1996، يعرّف الطفل على أنه “… كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه”. يُعرِّف النظام السعودي “الأحداث” في نظامه الخاص بالأحداث الصادر عام 2018، بتاريخ 18/11/1439 هـ، في المادة الأولى بأنه “كل ذكر أو أنثى أتم السابعة من عمره ولم يبلغ الثامنة عشرة من عمره بعد”.
ظاهريًا، يبدو أنه لا يوجد تناقض بين القانون السعودي والقانون الدولي لحقوق الإنسان. لماذا إذًا، نرى السعودية تواصل إصدار أحكام الإعدام بحق الأطفال وتنفيذها؟ لماذا يستمر المدعي العام في المطالبة بإعدامهم ولماذا يستجيب القضاء لهذه المطالب؟ لماذا، حتى بعد فرض المرسوم الملكي الصادر عام 2020، والذي يحظر ظاهريًا إعدام الأطفال، لا يزال المدعي العام يستطيع المطالبة بإعدام الأشخاص الذين ارتكبوا جرائمهم المزعومة وهم أحداث؟ بعد الغوص بشكل أدق في القانون، يتبين وجود استثناءات موضوعة بوجه الأحداث في ما يتعلق بمنع عقوبة الإعدام، وعند وضع هذه الاستثناءات موضع التنفيذ، يُسمح للدولة السعودية بمواصلة استخدام عقوبة الإعدام ضد القاصرين.
نظام الأحداث الصادر عام 2018
نصت المادة (15) من نظام الأحداث على أن العقوبات التي يجوز للقاضي توقيعها على من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره هي:
أ) توبيخه وتحذيره.
ب) تسليمه لمن يعيش معه من الأبوين أو لمن له الولاية.
ج) منعه من ارتياد أماكن معينة لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات.
د) منعه من مزاولة عمل معين.
هـ) وضعه تحت المراقبة الاجتماعية في بيئته الطبيعية لمدة لا تتجاوز سنتين.
و) إلزامه بواجبات معينة لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات.
ز) الإيداع في مؤسسة اجتماعية أو علاجية لمدة لا تتجاوز سنة، بشرط أن يكون متمًّا (الثانية عشرة) من عمره وقت ارتكابه الفعل المعاقب عليه… “
لا تظهر عقوبة الإعدام ضمن العقوبات التي يمكن تطبيقها على الأحداث، وفي الواقع، ينص القانون تحديدًا على عقوبات بديلة تطبق على الأحداث المتراوحة أعمارهم بين 15 و 18 عامًا، الذين ارتكبوا جرائم تعتبر جرائم يُعاقب عليها بالإعدام.
إذا كانت الجريمة تستوجب عقوبة الإعدام، فيدخل الحدث إلى مركز الاحتجاز لمدة لا تزيد على عشر سنوات.
لكن الحكومة وضعت استثناءات من القانون في المادة (16)، والتي عبرت بشكل واضح عن أن نظام الأحداث ككل بما في ذلك الأقسام التي تعرّف كلمة “الأحداث”، لا تنطبق في ظروف معينة.
لا تخل الأحكام الواردة في النظام بالأحكام المقررة شرعاً فيما يتعلق بجرائم الحدود والقصاص.
بحسب هذه المادة ، إن أحكام القانون التي تُعرِّف “الأحداث” لا تبطل أحكام الشريعة الإسلامية في قضايا جرائم الحدود والقصاص، حيث تم تحديد حكم الإعدام بشكل خاص على مرتكبي تلك الجرائم في أحكام الشريعة الأسلامية. في هذه الحالات، لا ينطبق تعريف “الأحداث” المنصوص عليه في نظام الأحداث، ويجب بدلاً من ذلك الحكم على وضع المدعى عليه كحدث أو كبالغ من خلال المعايير المنصوص عليها في الشريعة.
المرسوم الملكي رقم 46274 تاريخ 29/7/1441 هـ
في أواخر أبريل 2020، أصدرت الحكومة المرسوم الملكي رقم 46274. وفي بيان أعلنت فيه صدور المرسوم، ذكرت هيئة حقوق الإنسان السعودية، أن الأمر سيُلغي الإعدام بحق القاصرين أو بحق الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم في المملكة حينما كانوا قاصرين. لكن التحليل الدقيق للمرسوم يظهر أن هذا ليس صحيحًا.
لا يبدو أنه تم نشر النص الكامل للمرسوم الملكي حتى وقتنا هذا. لكن، تظهر النسخ المسربة التي حصلت عليها المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان من خلال متابعتها أن المرسوم يبدو وكأنه يخطو خطوة أخرى نحو إلغاء عقوبة الإعدام بحق القاصرين، من حيث أنه يعطي قانون عام 2018 مفعولا رجعيا يسري على جرائم التعزير السابقة ويمنع الحكومة من المطالبة بعقوبة الإعدام على جرائم متعلقة بالإرهاب. لكن المشكلة هي أن المرسوم يحافظ على الأجزاء المستثناة لجرائم الحدود والقصاص المذكورة أعلاه، حيث يجب على القاضي الرجوع إلى أحكام الشريعة للحكم على وضع المدعى عليه كقاصر.
الطفل في الشريعة
فيما يتعلق بهذه الجرائم، فإن كلا القانونين يعودان إلى تعاريف “الأحداث” و”البلوغ” كما وردت في الشريعة. لفهم الآثار المترتبة على استخدام هذه التعريفات في الحالات المتعلقة بعقوبة الإعدام، يجب أن نعود إلى أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بتعريف الطفل.
إذا، من هو الطفل بحسب الشريعة الإسلامية، وبالتالي محصن من أحكام الإعدام في جرائم الحدود والقصاص؟ تقسم الشريعة الإسلامية مسؤولية الإنسان إلى ثلاث مراحل من الحياة، وتفرق بين المسؤولية الجنائية والمدنية حسب عمر الشخص، على النحو التالي: في المرحلتين الأولى والثانية، يكون الطفل محصنًا من المسؤولية الجنائية، بما في ذلك جرائم الحدود أو القصاص؛ في المرحلة الثالثة، مرحلة البلوغ، يتحمل الشخص المسؤولية الجنائية الكاملة عن أفعاله.
المرحلة الأولى هي من الولادة حتى سن السبع سنوات، والتي هي مرحلة عدم التمييز، وفي هذه السن لا يتحمل الطفل أي مسؤولية جنائية على الإطلاق، ولكنه يتحمل المسؤولية المدنية – وهو مفهوم يتفق عليه معظم المذاهب الفقهية. لم يسبق من قبل أن صدر حكم بالإعدام على أي طفل بهذا العمر في السعودية، بحسب بحث حول هذا الموضوع.
وتدوم المرحلة الثانية من سن السابعة حتى بداية “سن المراهقة”، وتعتبر سن “التمييز” وليس سن التكليف. في هذه المرحلة، لا يتحمل الطفل المسؤولية الجنائية، ولا يجوز إخضاعه لأحكام القصاص. إلا أن الطفل يتحمل مسؤولية تأديبية بموجب التعزير – العقوبة على المخالفات حسب تقدير القاضي. وهذا يتفق مع ما ورد في نظام الأحداث الصادر عام 2018، حيث العقوبات الناتجة عن ذلك منصوص عليها في المادة 15 المذكورة أعلاه.
تبدأ المرحلة الثالثة بعد سن المراهقة. تُعرف هذه المرحلة بـ “مرحلة الرشد”، ويتحمل الطفل، الذي أصبح الآن مراهقا، مسؤولية جنائية، ويمكن إصدار عقوبات الحدود والقصاص ضده، وهو ما ينسجم مع ما نص عليه نظام الأحداث الصادر عام 2018، حيث العقوبات الناتجة عن ذلك منصوص عليها في المادة 15 المذكورة أعلاه.
في ظل عدم وجود قانون مكتوب، يؤدي الخط الفاصل بين المرحلتين الثانية والثالثة والخط الفاصل بين المراهقة والبلوغ إلى تفاقم مشكلة إعدام الأطفال في السعودية. وفقًا لنظام الأحداث، تبدأ مرحلة البلوغ في سن 18 عامًا، ولكن وفقًا للشريعة، والتي تُستخدم حصريًا في تحديد إمكانية تطبيق عقوبة الإعدام في جرائم الحدود والقصاص، تبدأ مرحلة البلوغ في سن المراهقة وظهور علامات البلوغ. كما سنرى، يتمتع القضاة السعوديون بسلطة تقديرية واسعة في تحديد متى يبلغ الشخص سن المراهقة، ويستغلون هذه السلطة التقديرية للحكم على الأطفال بالإعدام.
تعريف “الطفل“ عند تطبيق عقوبة الإعدام
تتركز المشكلة إذا في استبعاد جرائم الحدود والقصاص من نظام الأحداث الصادر عام 2018 ومن المرسوم الملكي، وفي عدم تحديد سن الرشد بشكل مكتوب لجرائم الحدود والقصاص. بما أن القانون لاينطبق كليًا في قضايا الحدود والقصاص، بما في ذلك إلغاء الأحكام التي تحدد الحد الأدنى لسن المسؤولية الجنائية وسن الرشد، فإن القضاة السعوديين أحرار في الرجوع إلى التعريفات التي قدمتها مصادر شرعية غير رسمية – التعريفات التي لا توفرها الشريعة نفسها بوضوح – من أجل اتخاذ القرار. تعتبر بعض المدارس الفقهية التقدمية، مثل تلك التي أسسها أبو حنيفة، أن سن المراهقة يبدأ في عمر 18 عامًا، بينما يقول آخرون إنه يبدأ في سن 15 عامًا. تختلف علامات المراهقة أيضًا من طفل لآخر، لذا فقد تظهر مبكرًا لدى طفل وتتأخر لدى طفل آخر. فقد تظهر علامات المراهقة على بعض الأطفال قبل سن الخامسة عشرة وعلى البعض الآخر بعد ذلك السن، وقد تظهر ربما لدى البعض في سن مبكرة، أي عندما يبلغون ال 12 أو 13 عاما. إلا أن غالبية الفقهاء في السعودية حددوا سن ال 15 لذلك.
في ظل غياب قانون مكتوب، يكون ذلك تمييزًا جديًا في مناقشة عقوبة الإعدام فيما يتعلق بالقصر. والسبب وراء ذلك هو أن الفهم الشخصي للقاضي في محاكمة القاصر غالبًا ما يكون حاسمًا فيما إذا كان الطفل سيحكم عليه بالإعدام أم لا. إذا كان الطفل محظوظًا بما يكفي لمقابلة قاضي يتبع مدرسة أبو حنيفة الفكرية، على سبيل المثال، فلن يتعرض الطفل لعقوبة الإعدام. إلا أن هذا يعد أمرًا مستحيلًا إحصائيًا في السعودية، حيث يميل القضاة في المملكة إلى اتباع تفسيرات أكثر صرامة أو حتى يكونوا ملزمون في بعض الأحيان باتباعها. وعلى الأرجح، سيقابل الطفل قاضيًا يحدد سن المراهقة على أنه يبدأ من عمر 15 عامًا، بما أن هذا هو المعتقد الأكثر شيوعًا في السعودية. في مثل هذه الحالة، الطفل الذي بلغ سن الرشد وفقًا للشريعة، ولكنه لم يبلغ سن الرشد وفقًا لمعايير نظام الأحداث أو معايير اتفاقية حقوق الطفل، يمكن أن يُحكم عليه بالإعدام. أخيرًا، إذا كان الطفل سيئ الحظ بشكل خاص وواجه قاضيًا يعتقد أن سن البلوغ يبدأ عند ظهور العلامات الجسدية للمراهقة، مثل النمو الأول لشعر العانة على سبيل المثال، من الممكن أن يتم إعدام هذا الطفل في سن مبكرة- قد تكون ربما أقل بكثير من سن ال 15 عامًا. هذه ليست مجرد فكرة أكاديمية – فقد طلبت الحكومة تنفيذ عقوبة الإعدام بحق القاصر مرتجى القريرص في عام 2019. تم القبض عليه عندما كان عمره 13 عامًا، وبالتالي لم يكن بإمكانه أصلا أن يرتكب جريمة يعاقب عليها بالإعدام بعد بلوغه ال 15 من العمر.
تضخم هذه المشكلة ضبابية بعض أحكام الحدود. في حين أنه من السهل تعريف القصاص، حيث تتم ترجمته ببساطة على أنه عقوبات “العين بالعين” لجرائم مثل القتل، فإن فئات معينة من الحدود يمكن التلاعب بها بسهولة أكبر. في الوقت الحالي، على سبيل المثال، تحاكم النيابة العامة السعودية ما لا يقل عن خمسة قاصرين بتهمة حدود الحرابة، التي تُرجمت بشكل فضفاض على أنها تمرد، قطع طرق، قرصنة أو ربما إرهاب – فيما يتعلق بأنشطتهم الاحتجاجية ضد الحكومة. هذا هو حال محمد عيسى الفرج، الشاب الذي اعتقل عندما كان يبلغ من العمر 15 عامًا والمتهم بالمشاركة في مظاهرات، وحضور جنازات المعارضين للحكومة المتوفين، والإدلاء بتصريحات ضد الحكومة تخل بالنظام العام. كانت أولى الجرائم التي ظهرت في لائحة الاتهام الخاصة به تتعلق بمظاهرة شارك فيها وهو في التاسعة من عمره. ولأن أحكام القانون السعودي المكتوب الواردة في نظام الأحداث وفي المرسوم الملكي لا تنطبق على جرائم الحدود، يمكن للنيابة العامة أن تحاكم قانونيا قاصرين مثل محمد الفرج على أساس أنهم بالغين، وبالتالي تطلب عقوبة الإعدام بحقهم.
التوصيات
إن عدم تحديد الحد الأدنى لسن المسؤولية الجنائية، بالإضافة إلى عدم تحديد سن الرشد لجرائم الحدود والقصاص، وفشل قانون عام 2018 ومرسوم عام 2020 في حظر عقوبة الإعدام بشكل قاطع على جميع الأطفال، يعطي القضاة السعوديين قدرة وسلطة تقديرية واسعتين في الحكم على القاصرين بالإعدام. وتفاقم هذه المشكلة التفسيرات المختلفة لمفهوم المراهقة بين فقهاء الشريعة – والتي تتراوح بين سن 15 و 18 عاما – وتلاعب السلطات القضائية بتعريف جرائم الحدود. تضع مثل هذه الإخفاقات القانون السعودي في حالة تناقض صارخ مع معايير القانون الدولي المقبولة قبولا تاما، بما فيها تلك المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل، التي انضمت إليها السعودية. لذلك، وفي سبيل المحافظة على أرواح الأحداث يجب الالتزام بالتالي:
1) اعتماد تعريف واضح ودقيق ومكتوب للطفولة في القانون السعودي فيما يتعلق بعقوبات الحدود والقصاص، بما يتماشى مع الالتزامات الدولية للسعودية تجاه قانون حقوق الإنسان وبهدف الإلغاء التام والكامل لعقوبة الإعدام لأي شخص دون سن 18؛
2) اعتماد قانون عقوبات يتناول جميع الجرائم، بما يتماشى مع مبدأ الشرعية المعمول به دوليًا، مع ضمان عدم تقييد الحقوق والحريات المعترف بها بموجب القانون الدولي أو تجريمها دون مبرر؛
3) السحب الفوري لطلبات عقوبة الإعدام في المحاكمة ضد أي شخص تُلتمس عقوبة الإعدام بحقه على جرائم يُزعم ارتكابها قبل بلوغ ذلك الشخص سن ال 18.
المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان