حين يصبح العيد بألوانٍ باهتة.. معتقلو الرأي وأهاليهم محرومون من الفرحة
من خلف قضبانٍ غليظة سيترقّب معتقلو الرأي هلال العيد، هو العيد الأول لبعضهم، والبعض الآخر قد اعتاد أن يكون عيده معتماً بعيداً عن عائلته وأحبّائه، فالعشرات من معتقلي الرأي قد قضوا في السجن سنواتٍ طويلة تخطّت العقد من الزمن أحياناً، وعلى الرغم من مرور السنوات وضياع أعمارهم ظلماً ودون ذنب، لم يرحمهم الجلّاد.
خارج القضبان، ثمة من يقضون العيد بفرحةٍ منقوصةٍ أيضاً، هم أهالي معتقلي الرأي، أهالي من يقبعون في السجن ظلماً، وأهالي من أُعدِموا ظلماً، وأهالي المخفيين قسراً ظلماً، كل هؤلاء يقضون عيداً غير مكتمل، يقضون عيداً باهتاً حزيناً.
الأمهات الثكالى نسوا طعم الفرح، هنّ الأمهات اللواتي فُجِعن بأبنائهنّ دون سابق إنذار، عشرات الأمهات خسرنَ أبناءهنّ في مجازر الإعدام الجماعية أو الفردية، والعشرات منهنّ ليس بمقدروهنّ حتى زيارة قبورٍ لأبنائهنّ، فالسلطات السعودية تحتجز ما قد يزيد عن 145 جثماناً، تعود لشهداء الإعدام أو لمن توفّوا داخل السجن نتيجة التعذيب الوحشي والإهمال الطبي المتعمّد، فبعد أن حرمتهم من حقهم بالحياة، أكملت سلسلة انتهاكاتها مصادرةً جثامينهم.
لم يعد للأمّهات والآباء من أبنائهم سوى صور تحتضنها أيديهم، وتُعلَّق على جدران المنازل ليشعروا أن الغائبين ما زالوا حاضرين، لم يُتعبهم الدعاء لأبنائهم بالفرج، ولم يملّوا من الانتظار، تتعلّق أعينهم كل يومٍ بباب الدار، تنتظر عودة من غابوا دون أن يختاروا الغياب، لم يمت الأمل في قلوبهم وما زالت أصابعهم تحرّك حبات المسبحة بينما يهمسون دعاءهم همساً، خشية أن يُسمَع فتتحرّك سيوف القمع نحوهم هم أيضاً.
تحرم إدارات السجون السعودية معتقلي الرأي وأهاليهم من حقهم في الزيارات والاتصالات، لذا فإن بعض المعتقلين لم يروا أهاليهم منذ سنوات، وبعض الأهالي لا يعلمون شيئاً عن أبنائهم على الرغم من محاولاتهم المتكررة للسؤال عنهم، فإدارات السجون تعمد كثيراً إلى إخفاء المعتقلين والامتناع عن تزويد أي جهة بأية معلومات عنهم، ويرجّح البعض أن يكون المعتقل المخفي قسراً قد زُجَّ به في الزنزانة الانفرادية.
الصغار، من تتمثّل بهجة العيد بهم، لم يسلموا من سياط الجلّادين، أطفال شهداء الإعدام هم اليوم يتامى في العيد، يسألون عن آبائهم فلا تعرف أمهاتهم بما تُجيب، وكذا يسأل أبناء معتقلي الرأي عن آبائهم فلا تجد أمهاتهم سوى الدموع، كيف سيفرح هؤلاء الأطفال في العيد دون آبائهم؟
وكيف سيفرح أبناء معتقلات الرأي دون أمهاتهم؟
لمعتقلات الرأي قصصٌ أقسى، هنّ اللواتي أُبعِدنَ عن أبنائهنّ وأُسَرِهنّ ظلماً، حُرِمَ أبناءهنّ من حنانهنّ ورعايتهنّ، وها هم اليوم يقضون العيد بلا أمهات.
وبعد، قد لا يكون هذا العيد آخر عيدٍ يقضيه الأهل بلا أبنائهنّ والأطفال بلا أمهاتهنّ وآبائهنّ، ففي ظلّ الأحكام التعسفية التي تُصدِرها السلطات، سيقضي معتقلو الرأي سنواتٍ وسنوات في السجن، وتضيع أعمارهم وأعمار ذويهم بسبب سلطةٍ قرّرت أن تنتهج القمع والاستبداد ومصادرة الحقوق والحريات.
ندعو السلطات السعودية لاستغلال مناسبةٍ مباركة كعيد الفطر، لإعادة النظر جدياً في سياساتها القمعية التي تعتمدها مع الشعب، والتي لن تؤدي سوى إلى غضب الشعب واستيائهم والتفرقة بينهم، كما ندعو إلى الإفراج عن جميع معتقلي ومعتقلات الرأي وإسقاط كافة التهم الزائفة الموجّهة لهم، كي يُتاح لهم أن يتمتعوا بحقهم في الحياة بين أبنائهم وأهاليهم، مع التأكيد على أهمية إيقاف كل الانتهاكات الحاصلة لحقوق المواطنين وحرياتهم.