من التعبير إلى السجن: قمع الأصوات الحرة في السعودية

في السعودية، ليس المهم ما فعله الإنسان، بل ما فكّر فيه. الصوت المختلف ليس مرفوضًا فقط، بل مُجرَّم. والنتيجة: سجون تمتلئ بأشخاص ذنبهم الوحيد أنهم عبّروا عن آرائهم أو أفكارهم. تحوّلت المطالبة بالعدالة إلى تهمة، وأصبح التظاهر السلمي مدخلًا إلى سنواتٍ من القهر والسجن، حيث لا تُقاس الخطورة بالفعل أو الكلمة فقط، بل حتى بوضع إشارة إعجاب أو تأييد، أو رفع علم.
العلماء في غياهب السجون لفترات طويلة
لم يعد المنبر مأمونًا، ولا الكلمة الإصلاحية آمنة. الدعاة والعلماء في السعودية يُلاحَقون لا لجرم، بل لأنهم تكلّموا.
• السيّد هاشم الشخص، عالم دين من منطقة الأحساء، اعتُقل في ديسمبر 2020 بعد مداهمة منزله، بسبب خطب دينية ومواقف إصلاحية عبّر عنها في مناسبات عامة. لا يزال محتجزًا حتى اليوم دون محاكمة علنية أو تُهمٍ واضحة، في ظل استمرار التعتيم على قضيته وغياب أي مسار قانوني شفاف.
• الشيخ حسن فرحان المالكي، المفكر الديني المعروف بمواقفه النقدية تجاه الفكر التكفيري والدعوة إلى التسامح. اعتُقل عام 2017، وتواجهه النيابة بـ14 تهمة معظمها تتعلق بآرائه الفكرية، وتطالب بإعدامه تعزيرًا، في ظل محاكمة تفتقر لأبسط ضمانات العدالة.
تحوّلت خطب المساجد ومقالات الإصلاح إلى أدلة إدانة، تُقدَّم في محاكم تغيب عنها العدالة، ويُحاكم فيها الرأي كجريمة. وهناك علماء مهددون بالإعدام، وهناك من حوكموا بالسجن لعشرات السنين والعقوبات المشددة، وهناك علماء قابعون في السجون دون محاكمات.
النشطاء إرهابيون حتى إشعارٍ آخر
النشطاء في ظل النظام السعودي يُعامَلون كإرهابيين، وتستمر معاناة كثيرين من معتقلي الرأي الذين يواجهون أحكامًا قاسية دون تهمة حقيقية.
• منذ أواخر عام 2015، اقتحمت قوات الأمن السعودية منزل الناشطة الحقوقية إسراء الغمغام في منطقة القطيف، واعتقلتها مع زوجها الناشط موسى الهاشم دون تُهمٍ واضحة أو محاكمة. استمر احتجازهما لعامين كاملين.
• في عام 2018، وجّهت المحكمة الجزائية لهما تُهمًا تتعلق بمشاركتهما في احتجاجاتٍ سلمية طالبت بالعدالة والمساواة وحقوقٍ في المنطقة الشرقية، ما كشف أن سبب الاعتقال الحقيقي هو التعبير عن الرأي.
• في عام 2021، صدر بحق الغمغام حكم بالسجن 8 سنوات مع منعٍ من السفر، ثم شُدِّد الحكم إلى 13 عامًا. اليوم، تمضي سنوات حياتها داخل السجون السعودية، وسط تعتيمٍ تام على حالتها، بما يعكس واقعًا مؤلمًا لمن يتحدثون.
الصحافة بين التعذيب والإخفاء القسري: واقع لا يُروى
أن تكون معتقلًا في السعودية، يعني أن تُحرَم من الاسم، من الوجود، من أن يعرف بك أحد. خلف الجدران، لا يُعدّ الوقت بالساعات، بل بالألم. فالإخفاء القسري ليس استثناءً، بل أسلوبٌ ممنهج لإسكات كل من يُعبّر. تُسحق كرامة المعتقل خلف الجدران، ويُعاقَب بالصمت والمجهول.
• زانة الشهري، كاتبة وصحافية سعودية، اعتُقلت عام 2019 بعد نشرها تغريدة دعت فيها إلى إصلاح سياسي. ومنذ اعتقالها، تواجه زانة احتجازًا تعسفيًا دون محاكمة أو مسار قانوني واضح، وحرمانًا من التواصل مع عائلتها أو محاميها، في وقتٍ تتصاعد فيه المخاوف الحقوقية بشأن حالتها الصحية والمعنوية.
• الشاعر فاضل المغسل،اعتُقل في يناير 2018 من مدرسته دون مذكرة قانونية، وتعرّض للإخفاء القسري لعدة أشهر. حُكم عليه بالسجن 28 عاماً في 2024 بسبب قصائد عن القضية الفلسطينية وتحيي ذكرى شهداء القطيف، ما يُظهر تحوّل الشعر إلى “دليل إدانة” في قاعات المحاكم السعودية.
في زنازين بعيدة عن العدالة، تُطفأ أعمار، وتُكسَر أرواح، فقط لأنهم تجرؤوا على النطق بالحقيقة.
سحق المطالبين بالحقوق: بين الوعود الكاذبة والواقع القاسي
في بلدٍ تملأ شعارات الإصلاح واجهاته، لا يُسمع صوت المطالبين بالحرية، بل يُقمع ويُسجن ويُعزل.
يعاني معتقلو الرأي من انتهاكات واسعة في السجون السعودية، تتراوح بين الإهمال الطبي، والتعذيب، والحرمان من التواصل مع ذويهم.
رغم مزاعم السلطات حول تمكين المرأة، لا تزال السلطات السعودية تعتقل كل من يطالب بالإصلاح.
• محمد اللباد، اعتُقل عام 2017 فقط لأنه شارك في مظاهرات سلمية طالب فيها بحقوقه. ورغم أن نشاطه لم يتجاوز التعبير السلمي، تعرّض للتعذيب والحبس الانفرادي، ثم حُكم عليه بالإعدام تعزيراً في محاكمة افتقرت للعدالة. لا يزال محتجزاً حتى اليوم، فقط لأنه طالب بحقوقه.
• مها الرفيدي، كاتبة وصحافية، اعتُقلت عام 2019 بسبب تغريدات داعمة لحقوق الإنسان، وحُكم عليها في عام 2021 بالسجن 6 سنوات، ومنعٍ من السفر للمدة ذاتها.
من يطالب بالحقوق لا يُكافأ بالإصغاء، بل يُعاقَب بالسجن. صوت المرأة، صوت الإصلاح، صوت الكلمة… كلّها تُواجَه بالقمع لا بالحوار.
سجون لا إصلاحات: تناقض الرواية الرسمية
ما تسوّقه السلطات كخطط تطوير، تُناقضه سجونٌ مكتظة، ومحاكماتٌ صامتة، ومواطنون يخشون الكلام.
تواصل السلطات حملات الاعتقال ضد الناشطين والصحافيين، في تناقضٍ واضح مع مزاعم “رؤية 2030” الإصلاحية.
في أكتوبر 2024، دعت منظمات حقوقية دولية إلى حرمان السعودية من عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بسبب سجلها الحقوقي.
وبات الواقع الداخلي أكثر قسوة، حيث أدّى القمع إلى تراجع مساحة الحريات، وعزوف المواطنين عن المشاركة السياسية خشية الملاحقة.
السلطة التي تروّج للإصلاح في الخارج، تبني جدران الصمت في الداخل. كل إصلاح بلا حرية تعبير، مجرّد واجهة خاوية.
نحو الحرية والعدالة
تؤكد لجنة الدفاع على ضرورة وضع قوانين واضحة تضمن حرية التعبير، والإفراج الفوري عن جميع معتقلي الرأي المحتجزين لمجرّد التعبير السلمي. كما تدعو المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته والضغط الجاد لإنهاء هذه الانتهاكات، وضمان تمكين جميع المواطنين من ممارسة حقوقهم بحرية وأمان.