مقالات

استغلال الحج لقمع الحجاج: السعودية تنتهك قدسية الشعائر

منذ عام 2015، توالت التقارير الحقوقية التي توثق نمطًا مقلقًا من الانتهاكات بحق الحجاج والمعتمرين في السعودية، حيث تحولت المشاعر المقدسة إلى مساحة رقابة أمنية و وسيلة قمع سياسي، بدلاً من كونها ملاذًا آمنًا للمسلمين من مختلف أنحاء العالم.

ورغم أن الحج شعيرة دينية عظيمة يفترض أن تكون فوق التجاذبات السياسية والانتهاكات الأمنية، إلا أن النظام السعودي عمد إلى استغلال هذا الموسم الديني في تعزيز سطوته الأمنية وملاحقة الأفراد على خلفيات فكرية أو مذهبية أو حتى إنسانية، مستغلًا احتكاره الكامل لتنظيم الحج كوسيلة ضغط وتصفية حسابات.

وقد وثقت منظمات حقوقية دولية، من بينها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، أن السلطات السعودية تستغل موسم الحج ذريعةً للاعتقالات والتضييق على الحريات، بالإضافة إلى مراقبة الحجاج واستجوابهم وترحيلهم. وتتم هذه الانتهاكات في ظل غياب آليات محاسبة شفافة ومستقلة، مما يزيد من حدة الانتهاكات ويُضعف من قدسية الشعيرة ومكانتها الروحية.

اعتقال الحجاج الأجانب وترحيلهم

إلى جانب المواطنين السعوديين، لم يسلم الحجاج الأجانب من الانتهاكات المتكررة خلال أداء الشعائر. إذ وثقت منظمات وتقارير إعلامية حالات متفرقة من الاعتقال، الترحيل، والتضييق بحق حجاج من بلدان عدة، وذلك على خلفيات سياسية، مذهبية، أو حتى إنسانية.

•ليبيا: في مايو 2024، اعتقلت السلطات السعودية رجل الأعمال الليبي عبد الرحمن قجا فور وصوله لأداء العمرة، بتهمة دعم جماعات سياسية. وقد أدانت منظمات حقوقية هذا الاعتقال واعتبرته استغلالًا سياسيًا لموسم العمرة.

•فلسطين: في نوفمبر 2024، اعتقلت السلطات السعودية عددًا من المعتمرين لمجرد إظهارهم التضامن مع القضية الفلسطينية، بحسب ما وثقه مرصد الحج، وسط تصاعد الحرب الإسرائيلية على غزة.

•سوريا: في عام 2024، واجه العديد من الحجاج السوريين صعوبات كبيرة في الحصول على تأشيرات الحج والعمرة من السلطات السعودية بسبب الإجراءات الأمنية المشددة والقيود السياسية. كما وثقت تقارير حقوقية حالات اعتقال لبعض الحجاج السوريين أثناء أداء مناسك الحج، بزعم مخالفات أمنية، في ممارسات اعتبرتها منظمات حقوق الإنسان استهدافًا سياسيًا لهم بسبب أوضاعهم كلاجئين أو خلفياتهم السياسية.

•مصر: في فبراير 2023، اعتقلت السلطات السعودية الصحفية والناشطة المصرية رانيا العسال أثناء أدائها مناسك العمرة في مكة، على خلفية منشورات انتقدت فيها سياسات المملكة. استمرت فترة اعتقالها نحو عام، قبل أن تُفرج عنها في يناير 2024 دون توجيه تهم رسمية، بعد حملة دولية ضاغطة. وتعرضت للمنع من التواصل مع محاميها وعائلتها أثناء الاحتجاز.

•لبنان: في 2023، اعتقل المواطن اللبناني حيدر سليم أثناء أدائه مناسك الحج، بعد ترديده شعارًا دينيًا. وُجهت له تهم سياسية، وقضى ثلاث سنوات في السجن قبل الإفراج عنه في أبريل 2025، بعد وساطات دبلوماسية.

•إيران: في مايو 2025، اعتقل رجل الدين الإيراني البارز الشيخ غلام رضا قاسميان في المدينة المنورة، بعد انتشار مقطع فيديو له ينتقد فيه التغيرات الدينية والثقافية في السعودية. وبعد توتر دبلوماسي، أفرج عنه وتم ترحيله إلى طهران قبيل بدء المناسك.

تُظهر هذه الحالات نمطًا مقلقًا من استخدام السلطات السعودية لموسم الحج كأداة للرقابة والسيطرة، مما يتعارض مع المبادئ الأساسية لحرية العبادة وحقوق الإنسان.

وهذه ليست سوى نماذج محدودة مما جرى توثيقه، فهناك عشرات الحالات الأخرى من حجاج تم اعتقالهم أو ترحيلهم أو التضييق عليهم من دول مختلفة، دون أن تُعلن أسماؤهم. لكن هذه الأمثلة تكفي لتسليط الضوء على سياسة ممنهجة تُفرغ الحج من معناه الروحي وتحوله إلى أداة أمنية بيد النظام السعودي.

استهداف المواطنين السعوديين، بمن فيهم أبناء المنطقة الشرقية

لم تقتصر سياسة الاعتقال والملاحقة خلال مواسم الحج والعمرة على الزوار الأجانب فحسب، بل شملت أيضًا مواطنين سعوديين من مختلف المناطق، وخصوصًا من المنطقة الشرقية، التي تشهد تاريخيًا استهدافًا بنيويًا وتمييزًا طائفيًا ممنهجًا ضد مكوناتها الدينية والثقافية.

وتُظهر الوقائع أن السلطات السعودية تتعامل مع مواطنيها خلال الشعائر الدينية بمنطق أمني رقابي، حيث يتم توقيف الأفراد لمجرد التعبير عن معتقداتهم، أو حمل مواد دينية، أو أداء أنشطة سلمية لا تتعارض مع الطابع الروحي للحج. بل إن بعض الحالات توثق استخدام الحج كفرصة لفرض مزيد من القيود على الشخصيات الدينية والمواطنين ذوي الخلفيات الحقوقية أو الفكرية المستقلة

خاتمة: الحج ليس ساحة قمع

تحول موسم الحج في السعودية، بالنسبة لكثير من الحجاج، من شعيرة روحية إلى ساحة تهديد واعتقال. فبدلًا من حماية الحجاج، تمارس السلطات السعودية بحقهم الاعتقال، التسليم القسري، والملاحقة على خلفيات سياسية أو مذهبية.

ولأن هذه الانتهاكات تتكرر عامًا بعد عام، تطالب لجنة الدفاع عن الحقوق والحريات بوقف فوري لتسييس الحج، ومحاسبة المسؤولين عن الاعتقالات، وضمان حق جميع المسلمين بأداء الشعائر بأمان، دون خوف من السجن أو الترحيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى