تهديدات جادة.. هل أصبحت بريطانيا ملاذا غير آمن لمعارضي ابن سلمان؟
مخاوف وتحذيرات جمة أطلقتها وسائل إعلام دولية، خشية أن تشهد بريطانيا جرائم مماثلة لمقتل الصحفي السعودي خاشقجي بشكل مأساوي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018، على يد فرقة موت خاصة أرسلها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ويطالب نشطاء حقوقيون الشرطة البريطانية بأن تأخذ التهديدات ضد السياسيين السعوديين المقيمين على أراضيها على محمل الجد، وإلا ستخاطر بوقوع كارثة أخرى مثل جريمة قتل خاشقجي.
ويعيش في بريطانيا عدد من أبرز المعارضين السعوديين، على رأسهم نشطاء أسسوا “التجمع الوطني”، أول حزب سعودي معارض في التاريخ، وخرج مؤتمره التأسيسي من لندن، ما شكل صدمة للنظام السعودي.
ويخشى ذلك الطيف المعارض المتمركز في بريطانيا من عمليات انتقامية على يد أجهزة الأمن السعودي، وهو أمر اشتهر به نظام ابن سلمان.
عرضة للتصفية:
ونشرت صحيفة “تلغراف” البريطانية في 8 يناير/ كانون الثاني 2022، تقريرا حذر من أن تشهد بريطانيا جريمة مشابهة لمقتل خاشقجي في مدينة إسطنبول التركية، قبل أكثر من ثلاث سنوات.
ونقلت الصحيفة عن جمعيات حقوقية أنه يتوجب على الشرطة البريطانية أخذ التهديدات ضد السياسيين السعوديين الموجودين على أراضيها على أكثر درجة من الجد واتخاذ الاحتياطات اللازمة، وإلا فإنها ستغامر بوقوع فاجعة جديدة.
وأضافت أن “عناصر الشرطة البريطانية ليس لديهم فكرة غالبا عن السياق الدولي، وتبين ذلك عند ردهم على تقارير حول تهديدات بالقتل”.
وجاء ذلك بعدما “رفضت شرطة لندن التحقيق في الترهيب الواضح ضد شخصية معارضة بارزة تعيش في لندن”.
وأوضحت أن المعارض السعودي المقيم في بريطانيا يحيى عسيري، وهو ضابط سابق في سلاح الجو الملكي السعودي، “عثر على سكين كبير خارج نافذة مطبخه في أغسطس/ آب 2021 في نفس اليوم الذي أرسلت إليه علامة سكين في رسالة على حسابه بإحدى وسائل التواصل الاجتماعي”.
قطع الرأس:
وعسيري هو الأمين العام لحزب التجمع الوطني السعودي المعارض، الذي يعيش أعضاؤه خارج المملكة، ويطالبون بإصلاحات في نظام الحكم.
وعلى مدار الأعوام السابقة، جرى اقتحام سيارة عسيري وعائلته، وتعرضوا للتهديد في الشارع، وكانوا ضحايا عمليات تنصت ومراقبة إلكترونية، نددت بها منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش.
ووصل الأمر إلى مداه مع عسيري الذي يقود أيضا جماعة “القسط” لحقوق الإنسان ومقرها لندن، عندما تلقى عام 2020 تهديدات صريحة بالقتل تتضمن صورا بها قطع للرأس، مع جملة “ستعود إلى السعودية لمواجهة محمد بن سلمان”.
وليس عسيري وحده ففي 2019، اضطر مسؤولون في النرويج إلى نقل إياد البغدادي، وهو فلسطيني مؤيد للديمقراطية، إلى مكان آمن بعدما أبلغته وكالة المخابرات المركزية بتهديد من السعودية، يمكن أن يؤدي إلى اغتياله.
وهو فعل دأبت أجهزة الأمن في المملكة على انتهاجه، لكنه تفاقم في الآونة الأخيرة بعد حصول ابن سلمان على ولاية العهد وتشكيل فرق خاصة لتلك المهام.
فرقة النمر:
وتعد فرقة “نمر” من أهم أدوات ابن سلمان في تتبع وملاحقة وتصفية المعارضين، ففي 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، استدعت محكمة أميركية ولي العهد السعودي و9 آخرين، في قضية سعد الجبري الذي اتهمهم بمحاولة اغتياله.
وقالت شبكة “سي إن إن” الأميركية حينذاك إن “محكمة واشنطن أرسلت مذكرات استدعاء لمحمد بن سلمان وآخرين، في الدعوى القضائية التي رفعها الوزير السعودي السابق سعد الجبري ضدهم، متهما إياهم بإرسال فريق لقتله في كندا على غرار جريمة مقتل خاشقجي”.
وورد آنذاك في حيثيات الدعوى أنه “بعد أسبوعين من اغتيال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، أرسل ولي العهد فريقا آخر من فرقة النمر، مكونا من 50 شخصا، إلى مدينة تورنتو الكندية لاغتيال الجبري”.
والجبري شغل في السابق منصب وزير دولة، كما كان ضابطا بالاستخبارات السعودية، لكنه اضطر إلى الفرار إلى كندا، وتسعى الرياض إلى استعادته بأي طريقة، مثل غيره من المعارضين في مختلف دول العالم لا سيما بريطانيا
وفي 23 أكتوبر 2020، كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني نقلا عن مصدر سعودي مقرب من الاستخبارات السعودية عن تشكيلة فرقة اغتيالات تعمل بتوجيه مباشر من ابن سلمان.
وقال الموقع إن “الفرقة تسمى نمر، وهي معروفة جيدا لدى أجهزة استخبارات الولايات المتحدة، وتشكلت قبل أكثر من عام، وتتألف من 50 عنصرا من أمهر العملاء الاستخباراتيين والعسكريين في المملكة”.
وذكر أن “مهمة فرقة النمر، تتمثل في اغتيال المعارضين السعوديين خفية، داخل المملكة وعلى الأراضي الأجنبية، بطريقة لا تلاحظها وسائل الإعلام أو المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان”.
يذكر أن بريطانيا فرضت في 6 يوليو/ تموز 2020، عقوبات على 49 شخصا وكيانا في إطار آلية جديدة لمعاقبة انتهاكات حقوق الإنسان، من بينهم 20 سعوديا يشتبه بأن لهم دورا في اغتيال خاشقجي.
تاريخ أسود:
وفي أغسطس/آب 2017، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” فيلما وثائقيا بعنوان “أمراء آل سـعود المخطوفون”، كشفت فيه عن تفاصيل جديدة حول عمليات اختطاف 3 أمراء لم يكشف عنها من قبل.
وأظهر الفيلم أنه بين عامي 2005 و2016 تمت عمليات اختطاف لأمراء سعوديين معارضين، أبرزهم الأمير تركي بن بندر، والأمير سعود بن سيف النصر، إضافة إلى الأمير سلطان بن تركي.
وفي عام 2016 اختطفت السلطات السعودية الأمير سلطان بن تركي المعارض للسلطة الحاكمة بعد إجباره على عدم الهبوط في مطار القاهرة مثلما كان متوقعا عقب وصوله من سويسرا، لتقتاده طائرة تحمل العلم السعودي إلى الرياض قسريا، ويختفي بعدها دون تفسير من الجهات المعنية.
كما كشف الفيلم تفاصيل عملية اختطاف الأمير تركي بن بندر عام 2015، وهو ضابط في وزارة الداخلية، وكان من المنتظر رحيله إلى فرنسا من المغرب، إلا أنه احتجز في سجن سلا، ليُرحل لاحقا إلى الرياض.
وهناك حوكم على تصريحات معادية للنظام، وخلافه الدائم مع السلطة، وانشقاقه عن العائلة الحاكمة، واتهمته السلطات بالتخطيط لأفعال تضر الأمن القومي كونه ضابطا في الشرطة.
أما الأمير سعود بن سيف النصر الذي لم يكن له نشاط سياسي مسبق، لكنه اختفى بعد أيام من تأييده لأول خطاب من المعارضة السعودية مجهولة المصدر، عن الإطاحة بالملك سلمان بن عبد العزيز، فور صعوده إلى سدة الحكم.
ليسوا بمأمن:
ومؤيدا هذا المخاوف، رأى الناشط السياسي المقيم في بريطانيا علاء الدين علي أن “بريطانيا مليئة بحوادث اغتيال المعارضين أو الوفيات المشبوهة”.
وأضاف لـ”الاستقلال”: آخر هذه الحوادث وفاة الناشطة الإماراتية آلاء صديق في حادث مروري يحوم حوله كثير من الشبهات، حتى إن منظمات حقوقية طالبت بالتحقيق في وجود شبهة جنائية بوفاتها، لذا فالمعارضون السعوديون في بريطانيا ليسوا بمأمن بأي حال من الأحوال.
ولفت إلى أنه “تحت دعوى الانتحار سبق تصفية شخصيات عربية بارزة في بريطانيا، مثل الفريق الليثي ناصف، القائد السابق للحرس الجمهوري المصري، والفنانة سعاد حسني التي قتلت في نفس العقار، وكانت تنوي كتابة مذكراتها، وقتلا بشكل غامض”.
ومن هنا فإن “المعارضين السعوديين على نفس المنوال، وطالما وجدت تهديدات ومطاردات فإن الأمر يستحق الاهتمام والرعاية وأن يؤخذ على محمل الجد بكل حال من الأحوال”، يوضح علي.
وشدد الناشط السياسي على ضرورة تصنيف المعارضين في بريطانيا حسب دولهم، ومدى قسوتها وجرائمها السابقة في تصفية ومطاردة المعارضين، ونظام المملكة متمرس في ذلك، وهذا يسهل من عمليات الحراسة والحماية.
وأردف: “في ظل تمركز جزء كبير من المعارضة السعودية وغيرها في بريطانيا، من الممكن أن تعتمد الأخيرة إجراءات خاصة، مثل مكتب خاص يتجاوز البيروقراطية يتعامل مع الملف، وهذا ما طالبت به جمعيات حقوقية ومحامو معارضين، كحل جذري لعمليات التهديد المستمرة”.