للصحافيين الباحثين عن الحرية: السعودية ليست خياراً!
إن الصحافة، إذا لم تكن في الجانب الأكبر منها صوتاً للناس وهمومهم وشكاواهم، فهي لا تؤدي دورها بالشكل الصحيح، فهي وسيلة لنقل واقع الناس ونقل الواقع للناس، أما أن تكون وسيلة لتمجيد السلطة والحكام، فهذا خللٌ يؤثر على الهدف الحقيقي من العمل الصحافي.
وهذا تماماً ما يحصل في السعودية، حيث تأتمر الصحافة بأمر السلطة، تنشر ما تسمح له السلطة أن يُنشر، وتتغاضى عمّا لا تُريد له السلطة أن يُعرف، تلوّن الحقيقة بألوانٍ تختارها السلطة، وتصوّر للناس الواقع الذي ترغب به السلطة وحدها، وهذا تزويرٌ وتشويه للحقائق، تُديره السلطات السعودية وهي وحدها مسؤولة عنه، لا سيما في ظل وجود صحافيين نبلاء أرادوا نقل الواقع كما هو دون تحريف، فكان مصيرهم أن توجّه السلطات عليهم سيوف قمعها وتصبّ عليهم سيول جَورها.
ببساطةٍ، تُجبَر وسائل الإعلام السعودية على اتباع الخط الحكومي الذي ترسمه وكالة الأنباء الرسمية، وتخضع لرقابة متشدّدة من قبل وزارة الإعلام، كما تعمل السلطات على حجب الإنترنت وزيادة المراقبة من خلال برامج التجسس عالية التقنية.
ضمن الـ15 دولة الأخيرة من أصل 180 دولة جاءت السعودية في تصنيف منظمة “مراسلون بلا حدود” لحرية الصحافة للعام المنصرم، ترتيبٌ لم يكن مفاجئاً، فقصص القمع السعودية وازدراء الصحافيين والإعلاميين، تملأ صفحات المواقع والمنظمات، والتقارير التي تكشف تورّط السلطات السعودية في التجسس على مستخدمي “تويتر” وتجنيدها أشخاصاً هناك لتزوديها بمعلومات، وكذلك التقارير التي تتحدث عن شرائها لنظام التجسس “بيغاسوس”، كلها باتت في متناول الجميع.
باختصار، السعودية ليست بلداً صالحاً للصحافة.
المعتقلون من الصحافيين
بحسب “مراسلون بلا حدود” أيضاً، فقد تزايد منذ العام 2017، عدد الصحفيين والمدونين القابعين خلف القضبان، بأكثر من ثلاثة أضعاف.
الصحافيتان زانة الشهري ومها الرفيدي هم من ضمن الصحافيين الذين اعتُقلوا بسبب آرائهم وممارستهم حقهم بالتعبير، وزانة كان قد تم القبض عليها خلال موجة اعتقالات طالت صحافيين ومدوّنين وكتاب في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ومها أيضاً كانت من ضمن الصحافيين الذين طالتهم حملة الاعتقالات، وقد اعتُقلت على ما يبدو بسبب تغريدات عبّرت فيها عن دعمها لحقوق الإنسان، وطالبت عبرها بالإفراج عن معتقلي الرأي.
وليد الهويريني، صحافي وأستاذ جامعي ترفض السلطات إطلاق سراحه على الرغم من انتهاء مدة محكوميته، وهو كان قد اعتُقل عام 2017 وحُكم بالسجن لخمس سنوات.
ويقبع في السجن تعسفياً أيضاً، الصحافي سامي الثبيتي، وهو رئيس قسم الرصد والمتابعة في صحيفة تواصل الإلكترونية، اعتُقل بلا تهمة عام 2017.
انتهاك السلطات السعودية لحريات الصحافة لا يتوقّف على الصحافيين المحليين، فسياسة القمع التي تنتهجها طالت الصحافي الأردني عبدالرحمن فرحانة (62 عاماً)، الذي اعتُقل عام 2019 وواجه ظروف اعتقالٍ صعبة جداً، كاحتجازه في الحبس الانفرادي لأشهر وحرمانه من تناول أدوية علاج ضغط الدم والسكري ونقص تروية الدماغ. كما حُرمت عائلته من الحصول على أية معلوماتٍ عنه. في أغسطس/آب 2021 مثل فرحانة أمام المحكمة الجزائية المختصصة للمرة الأولى، وقد حكمت بسجنه 19 عاماً.
وثمة بعد الكثير من القصص والحوادث التي تُظهر حجم القمع الذي تمارسه السلطات السعودية على الإعلام، والانتهاكات التي تمارسها بحق الصحافيين والإعلاميين، من المضايقات والتهديدات، مروراً بالاعتقال التعسفي وصولاً إلى القتل.
قصص القمع السعودية
على الرغم من مرور خمس سنوات على الجريمة، لا تزال أصداء جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول تدوّي، ولم تهدأ القضية، لأنّ الجريمة أفظع من أن تُطوى بمرور الأيام. النظام السعودي حاول التملّص من المسؤولية، لكن التحقيقات كشفت بدون تأخر، تورّط السلطات السعودية ومحمد بن سلمان تحديداً بعملية تصفية الخاشقجي، الذي عُرف بآرائه المعارضة لسياسة النظام السعودي وأداء بن سلمان.
أيضاً، لا يمرّ الحديث عن طريقة تعاطي السلطات السعودية مع الصحافة والإعلام دون أن تعود إلى الأذهان الأزمة التي افتعلتها السلطات السعودية مع لبنان، إثر تصريحات للإعلامي جورج قرداحي، اعتبرتها السلطات “مسيئة”. استدعت حينها وزارة الخارجية السعودية السفير اللبناني وسلّمته مذكرة احتجاج، ثم طلبت منه مغادرة البلاد خلال 48 ساعة، واستدعت سفيرها في لبنان، واتخذت قرار قطع العلاقات السعودية ـ اللبنانية.
كلام قرداحي، كان قد قاله قبل أشهرٍ من تولّيه وزارة الإعلام، أي أنه لم يكن وزيراً للإعلام عند حصول تلك الأزمة المفتعلة، إنما كان إعلامياً يبدي رأيه الخاص والحر، ومع ذلك، افتعلت السلطات السعودية أزمة دبلوماسية كبيرة إثر ذلك التصريح، متجاهلةً حق الإعلام والإعلاميين بالتعبير عن أرائهم وتوجهاتهم الخاصة.
الإعلامية غادة عويس هي الأخرى لها قصة مع اعتداء السلطات السعودية على الإعلاميين والحرية الإعلامية، فهي تعرّضت لاختراق هاتفها الخاص، وقام المخترقون بسرقة صور خاصة لها، والتلاعب بالصور بشكلٍ لاأخلاقي ثم نشرها، كما تعرّضت للتهديد والتخويف نتيجة آرائها المعارِضة للسلطات السعودية وسياساتها. وقد رفعت عويس دعوى قضائية ضد محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ومحمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، وعدد من المسؤولين الآخرين بتهمة استهدافها في عملية اختراق وتسريب، وتهديد حياتها.
من هنا، نطالب وزارة الإعلام السعودية بمنح الصحافيين حيّزاً لأداء دورهم الحقيقي، وتخفيف الرقابة الخانقة على الصحافة، كي لا تكون كل المواد الصحافية منحازةً للسلطات متجاهلةً للواقع ومخفيةً للحقائق، وندعو الوزارة إلى احترام حق الصحافيين بالتعبير عن آرائهم وتحليل الوقائع بموضوعية دون قمعٍ وقيود.