مقالات

2024: عامٌ دموي آخر من أعوام آل سعود

“نحن نشعر بالخجل من أحكام الإعدام لكن نظام القضاء يجب أن يتبع القوانين”..كعادته راوغ محمد بن سلمان بهذه الكلمات عند سؤاله عن قضية حكم إعدام محمد الغامدي خلال مقابلةٍ أجراها على شبكة فوكس نيوز الأميركية عام 2022. الغامدي الذي كان مدرساً متقاعداً ، سُجن وصدر بحقه حكمٌ بالإعدام فقط لأنه عبّر عن آرائه تجاه الحكومة منتقداً سياساتها التي تنتهك حرية التعبير ومدافعاً عن معتقلي الرأي.

اليوم خُفف حكم الغامدي ليُحكم عليه بالسجن مدة 30 عاماً، لكن السلطات  السعودية ما زالت تعتمد عقوبة الإعدام كأداةٍ لقمع معارضيها السلميين.

عام 2018 تعهد بن سلمان بتقليص استخدام عقوبة الإعدام، ورغم الهدوء النسبي خلال جائحة كورونا، استمرت معدلات الإعدام بالارتفاع، ومع حلول عام 2022 جدد بن سلمان وعده وادعى التزامه بالحد من إصدار هذا الحكم. تصريحات الحاكم السعودي اعتبرت غير جادةٍ في ذلك الوقت لكنها اليوم أثبتت عدم مصداقيتها، فسنواتٌ عدة مرت أكدت أن كلام بن سلمان يندرج ضمن وعوده الكاذبةمع ازدياد إصدار أحكام الإعدام وتطبيقها.

ها نحن اليوم ندخل عام 2025 تاركين خلفنا عاماً دموياً تكلل برقمٍ قياسي جديد للإعدامات حصدته الحكومة السعودية، أكثر من 345 شخصاً من بينهم قاصرون ومعتقلو رأي أُعدموا وفقاً لتهمٍ مزعومة غير مميتة.

اللافت هذه مرة هو الارتفاع السريع لمعدل الإعدامات الذي كان يزداد بوتيرة كبيرة من شهرٍ إلى آخر. مع حلول الشهر التاسع من السنة كانت أحكام الإعدام قد نُفذت بحق 198 شخصاً ومع قدوم الشهر العاشر وصلت حصيلة الإعدامات إلى 238 شخصاً، أما نهاية العام فقد حملت حصيلةً نهائية بلغت 345 إعداماً من بينهم أجانب وقاصرون ومعتقلو رأي. هذه الأحكام نُفذت  بأشكالٍ مختلفة وفقاً لتهمٍ مزعومة تتعلق إما بالمخدرات أو الإرهاب أو كالعادة بمعارضة آراء الحكومة، وفي ظل غياب الشفافية فإن الأرقام الفعلية قد تكون أكبر بكثير من ما هو معلن.

ما تقوم به السلطات السعودية يصنف ضمن الانتهاكات الصريحة للقانون الدولي الخاص بحقوق الإنسان ويتناقض مع ادعاءاتهم بإلغاء تنفيذ حكم الإعدام. هذه العقوبة تصدر وفقاً لمحاكماتٍ تفتقر لأدنى معايير العدالة، يُمنع المتهمون من تعيين محامٍ للدفاع عنهم أو الإطلاع على ملفاتهم الجنائية أما التهم فهي تستند إلى اعترافاتٍ تُنتزع بالإكراه وتحت وطأة التعذيب.

منظمة العدل الدولية ومنظماتٌ حقوقيةٌ عدة تنتقد ممارسات آل سعود الوحشية ولكن لا حياة لمن تنادي، فالسلطات لا تكتفي بزيادة الإعدامات على أرضها بل تؤدي هذه الأحكام بأساليب تؤذي الضحايا وعائلاتهم. فهذا الحكم ينفذ في السعودية دون سابق إنذار وبحق أفراد لم يصدر بحقهم هذه العقوبة. يُعدم المعتقلون دون إخطار ذويهم ولا يسمح لهم برؤيتهم لمرة أخيرة ولا توديعهم ولا حتى إجراء مكالمةٍ هاتفيةٍ معهم.

بعد إنهاء حياة المعتقلين على يد سجّانيهم يبلّغ ذويهم بخبر موتهم المفجع ليبدأ فصلٌ جديدٌ من المعاناة. فلا تكتفي السلطات السعودية بخطف أرواح المعتقلين بل تخطف جثثهم أيضاً وتخفيها لتحرم عائلاتهم من دفنهم وإقامة العزاء لهم أو حتى الحزن عليهم.

وفي الوقت الذي تواصل فيه الحكومة السعودية ارتكاب تجاوزاتها الخطيرة ضد شعبها، تسعى بشكلٍ مفاجئ للحصول على مقعدٍ في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وهي الهيئة الدّولية التي تهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها!

إذاً تصرّ الحكومة السعودية على سلّب المواطنين حقوقهم الإنسانية، فتلاحقهم لمجرد إبدائهم لآرائهم أو مطالبتهم بإصلاحاتٍ تصب في تنمية بلادهم. ولإخفاء سجّلها المروّع في مجال حقوق الإنسان وتغطيةً منها على تصاعد إعداماتها تسعى لتلميع صورتها أمام العالم فتسترسل في وعودها الفارغة وتعمل جاهدة للانضمام إلى هيئاتٍ حقوقيةٍ عدة ثم تطبق سياساتها المستبدة المتمثلة بتصاعد الإعدامات والاعتقال والقمع الممنهج.

الحكومة السعودية مطالبةٌ اليوم بإلغاء أحكام الإعدام وتطبيق المعايير الدولية في محاكماتها لضمان حقوق المتهمين في الحصول على محاكماتٍ عادلة. وبدورنا، نطالب المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والحقوقية بالتحرك والضغط على السلطات السعودية للحد من تطبيق عقوبة الإعدام وتحديداً تلك الصادرة بحق معتقلي الرأي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى